وهو مشهور في العادة أيضا، كقول القايل: بنو هاشم حكماء، وأهل الكوفة فقهاء، والعرب (تقري الضيف، وتحمي الديار) (1) وتمنع الجار، وما جرى مجرى ذلك. والمراد منهم: من هذه صفته، فإذا ثبت بهذه الآية: أن جملة الأمة تشتمل على عدول شهداء على من بعدهم. إذ لم يجز أن يكون المراد أن جميعهم كذلك، ثبت أن إجماعها حجة، لا سيما وقد أخبر: أنهم شهداء على الناس، ولا يجوز أن يجعلهم الله شهداء على من بعدهم، ثم إذا شهدوا لم تصح شهادتهم، وإذا قالوا لم يقبل قولهم، كما أنه لما جعل الرسول شهيدا عليهم تضمن ذلك إخبارا لصحة عليهم، ولزمهم (2) قبول قوله.
فإن قال قائل: فإن الرسول عليه السلام لم يكن قوله شهادة صحيحة لازمة للأمة بنفس القول دون ظهور (3) المعجزات الدالة على صدقه على يده. وكذلك (الأمة لا ينبغي أن يكون) (4) قولها حجة وصدقا إلا بقيام الدلالة: أنها لا تقول إلا الحق، من غير جهة وصفها بالشهادة.
قيل له: الذي أقام الدلائل على صحة نبوة النبي عليه السلام، وأيده بالمعجزات:
هو الذي حكم للأمة بالعدالة وصحة الشهادة، فلم تخل الأمة من أن يكون قولها قد صار حقا وصدقا، بدليل غير قولها، وهو (5) حكم الله لها بذلك، وشهادته لها به، ولو قد جاز على الأمة بأسرها الخروج عن صفة العدالة وصارت كفارا أو فساقا - لخرجت من أن تكون عدولا وشهداء على الناس، وذلك بخلاف ما أخبر الله تعالى من حكمها وصفتها. فثبت أنها لا تخلو من أن يكون فيها عدول لا يقولون إلا حقا، وإن لم يكونوا قوما نعرفهم بأعيانهم.
فإن قال قائل: ليس في إيجاب قبول شهادتها دلالة على حقيقة صدقها، لأن الشاهدين منا تقبل شهادتهما على ظاهر عدالتهما، من غير أن نقطع على غيبهما بذلك، وكذلك الأمة ليس في لزوم قبول شهادتها حكم بصدقها، ولا القطع على غيبها.