باب القول فيما يستدل به على أحكام أفعاله عليه السلام قال أبو بكر: ما يستدل به على حكم فعله عليه السلام: أن يرد فعله مورد بيان جملة تقتضي الإيجاب، أو الندب، أو الإباحة، فيكون حكم فعله تابعا لحكم الجملة، فإن اقتضت الجملة الإيجاب كان فعله واجبا، وإن اقتضت الندب كان فعله ندبا، وكذلك إن اقتضت الإباحة كان فعله في ذلك مباحا، وذلك: لأنه إذا ورد مورد البيان فمعناه: أن المراد بالجملة ما فعله، فيكون تابعا لحكم الجملة، على الوجوه التي ذكرناها.
فأما وقوع البيان بفعله يقتضي الوجوب، فنحو فعله لأعداد ركعات الصلاة المفروضة، هو بيان لقوله تعالى (أقيموا الصلاة) (1) وفعله لأفعال الحج بيان قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت)، (2) وفعله لبيان جملة يقتضي الندب نحو قوله تعالى (وافعلوا الخير) (3) وقوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) (4) وليس الخير كله حتما، ولا الإحسان واجبا فيما فعله النبي عليه السلام، من صدقه تطوع، أو صلاة تطوع، ونحوهما، مفعول بالآي، إلا أنه ليس على الوجوب، إذا لم تكن الجملة التي هذا بيان عنها مقتضية للوجوب، وما فعله النبي عليه السلام: من استخراج حق من رجل لغيره، ومن عقوبة رجل على فعل كان منه، فهذا على الوجوب، لأن ذلك لا يجوز فعله على وجه الإباحة، ولا على جهة الندب، قال عليه السلام: (دماؤكم وأموالكم عليكم حرام) (5) وقال الله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة) (6) فما وقع في هذا النوع من أفعال النبي عليه السلام - فهو على الوجوب بالدلالة التي ذكرنا.