وقت ظهور القول وانتشاره مدة لو كان هناك قائل بخلافه لكان قد استوفى مدة نظره واستقر (1) رأيه على قول يقول به إن كان مخالفا له، فإذا لم يظهر منه ذلك علمنا: أنه موافق له.
ومن الدليل على صحة ما ذكرناه من اعتبار ترك إظهار الخلاف في القول الذي قد استفاض وظهر من بعض الأمة: أنه معلوم في مجرى العادة وما عليه طبائع الناس إذا تشاوروا في أمر من الأمور فقال في أعلامهم وأولو الألباب منهم قولا وسكت الباقون، أن ذلك (2) رضا (3) منهم بذلك القول، وموافقة للقائلين به (وأنه) (4) لو كان هناك مخالف لهم لأظهر الخلاف إذا كان ذلك (أمرا) (5) يهمهم ويتعلق بشئ من مصالحهم في دنياهم، فما كان منهم (6) دينا تضيفه جماعة منهم إلى الحق وأنه حكم الله تعالى الذي أداهم إليه اجتهادهم فهو أولى ن، بأن يكون تركهم إظهار الخلاف فيه دلالة على الموافقة.
وأيضا فإنهم مع اختلاف أحوالهم وتفاوت (7) طبائعهم ومقاصدهم، لا يجوز أن تتوانى (8) همتهم (9) على ترك إظهار خلاف هم له مضمرون، كما أن قائلا لو قال: يوم الجمعة أن الإما لما صعد المنبر رماه (إنسان) (10) بسهم فقتله، لم يجز أن يحضر جماعة ممن شهد الجامع ولم يسمعوا بذلك أن يتركوا إظهار (11) النكير عليه، ولا يجوز أن تتفق هممهم على السكوت مع اختلاف أحوالهم.
وأيضا: فإنه معلوم: أن السلف قد كانوا يعتقدون: أن إجماعهم حجة على من بعدهم، فغير جائز إذا كان هذا هكذا أن يكون هناك مخالف لهم مع انتشار قولهم، فيضمر خلافهم ويسره، ولا يظهره، حتى يتبين للناس: أنه ليس هناك إجماع تلزم حجته من