وإن كان شريطة هذا الخبر أن يكون (معلوما صحته) (1) عندك، فإنه (2) لا يمكنك أن تعلم صدقه إلا بالنظر والاستدلال، وعاد عليك الكلام الأول الذي قدمنا على من قال: إني لا أعلم التوحيد إلا من جهة الخبر، وإن جاز عندك أن يكون هذا الخبر الذي وقع به التنبيه، خبر من يجوز عليه الكذب، وجايز أن يكون صدقا أو كذبا، فينبغي أن لا يختلف في هذا أن يكون المخبر نبيا أو غير نبي، لوجود التنبيه في الحالين، فليس يفيدك الخبر في هذه الحال، إلا ما يفيدك الخواطر المنبهة على الفكر والنظر، فقد استغنى بالخواطر (3) عن الخبر، (4) إذ كان كل أحد من المكلفين لا يخلو منه، لما يرى من اختلاف الليل والنهار، وما يشاهد من نفسه من تغير الأحوال التي لا صنع له فيها، ومن لم تزعجه هذه الخواطر ولم تبعثه على الفكر والنظر، فخبر المخبر له به أولى أن لا يؤثر فيه، فيصير حينئذ وجود الخبر وعدمه سواء.
ومن الناس من يزعم: أن العلوم إلهام من الله تعالى، وأن النظر والاستدلال لا يوصلان إلى علم يرد، لنص الآي التي ذكرناها في الأمر بالاستدلال والحث على النظر والفكر، ولا يمكن القائل به الانفصال ممن يقول: قد ألهمت العلم بإبطال الإلهام.
ويقال له أيضا: من أين حكمت بأن ما سبقت إلى اعتقاده هو علم حتى قضيت (5) بأنه إلهام من الله تعالى، وما أنكرت أن يكون ظنا لا حقيقة له، وهل (6) يمكنك الانفصال ممن يعتقد ضد (7) مقالتك، ويدعى أنه إلهام؟
فإن ادعى دلالة أوجبت له ذلك - فقد ترك القول بالإلهام، ورجع إلى الاستدلال.
وإن أقام على الدعوى من غير برهان - فهو وخصمه في الدعوى سواء. وإلى ذلك يؤول عاقبة مذاهب المبطلين (8) والله أعلم بالصواب.