والدليل على صحة ذلك: أن الآي التي قدمنا ذكرها من حيث دلت على صحة إجماع الصدر الأول فهي في دلالتها على صحة إجماع أهل سائر الأعصار كهي في دلالتها على صحة إجماع الصدر الأول، لأن قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (1) عام في أهل سائر الأعصار، ومعلوم أن قوله لتكونوا شهداء على الناس قد انتظم: أن يكونوا شهداء على أهل عصرهم عند انعقاد إجماعهم، وعلى من بعدهم، وأنهم حجة على الجميع، كما (2) كان الرسول صلى الله عليه وسلم شاهدا (3) على أهل عصره وعلى من بعده، وكذلك قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين) (4) وقوله تعالى: (واتبع سبيل من أناب إلى) (5) وقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (6) قول عام في أهل سائر الأعصار (ومن حيث دلت على إجماع الصدر الأول فهي دالة على إجماع من بعدهم من أهل سائر الأعصار). (7) ولو جاز أن يقال: ذلك مخصوص به الصدر الأول، لجاز أن يقال في سائر ألفاظ العموم التي يتناول ظاهرها جميع الأمة. أو يقال هي: مخصوصة في الصحابة دون غيرهم، ولما كان المفهوم من خطاب الله تعالى وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه متوجه إلى سائر الناس وإلى أهل كل عصر إلى يوم القيامة. وجب أن يكون الآي التي تلوتها في إيجاب حجة الإجماع محمولة (8) على المعقول من خطاب الله في تناولها أهل سائر الأعصار.
ولو جاز أن يخص بها الصحابة - لجاز (9) أن يقال: هي مخصوصة في طائفة منهم دون طائفة ولجاز أن يقال: إنه حكم مخصوص به أهل المدينة دون غيرهم من الناس. فلما بطل ذلك ثبت أنها عامة في جميع أهل الأعصار، وأن (إجماع) (10) أهل كل عصر حجة على من