وأما الإخبار بالكذب عن شئ واحد، فإنه ليس هناك داع يدعو الجماعات التي وصفنا حالها إلى اختراعه، والإخبار به، ولا سبب يجمعهم على وضعه، بل الدواعي متفقة في الزجر عن الكذب والإشاعة، (1) فإن اتفق هناك سبب يجمعهم على نقله من تواطؤ وتراسل، فإن مثله لا يخفى، بل يظهر وينتشر في أسرع مدة، حتى يضمحل ويبطل.
وعلى أنا قد شرطنا في ذلك: امتناع التواطؤ والتشاعر فيه، على حسب امتحاننا لأحوال الناس، فما كان بهذا الوصف فإنه يوجب العلم بمخبره لا محالة، وليس سبيل الإخبار في هذا السبيل اعتقاد المذاهب الفاسدة، وإن لم يجز على مثلهم اختراع خبر لا أصل له من غير تواطؤ، من وجهين:
أحدهما: أنا رجعنا في الأمرين جميعا إلى امتحان أحوال الناس، فوجدنا مثل هذه الجماعات التي وصفنا أمرها، لا يجوز منها وقوع الاتفاق على اختراع خبر لا أصل له، ووجدناهم يجوز منهم الاتفاق على اعتقاد مذهب فاسد، فإنما رجعنا في الأمرين جميعا إلى الموجود من أحوالهم، فيما صح وقوعه منهم، وفيما امتنع.
والوجه الثاني: أنا منعنا وقوع اختراع لا أصل له منهم، لما ذكرنا من اختلاف هممهم وأسبابهم، ودواعيهم، وأن جماعتهم يستحيل أن يخطر ببال كل واحد منهم أن يبتدئ اختراع خبر في شئ لا أصل له، في الوقت الذي يخطر ببال صاحبه. فإذا كان هذا وصفهم، لم يجز أن تتفق دواعيهم على نقله والإخبار به، لأن ما لا يجوز خطوره ببال جماعتهم في وقت واحد فالإخبار به ونقله أبعد في الجواز، فلذلك لم يصح وقوعه منهم.
وأما اعتقاد مذهب من المذاهب الفاسدة، فإنهم لا يصيرون إليه، ولا يتفقون عليه، إلا بدعاء داع لهم إليه، أو لشبهة يدخل عليهم في جواز اعتقاده فيعتقدونه.
ونظير ذلك من الأخبار: أن يدعوهم ويجمعهم جامع على التواطؤ على اختراع خبر لا أصل له، وقد يتفق مثل هذا، إلا أنه لا يتفق فيمن وصفنا حالهم، وإن اتفق التواطؤ من جماعة فلا بد من ظهور أمره وانتشاره، ولا بد من أن يضمحل ويبطل، فلذلك اختلف حكم الأخبار والاعتقادات.
فإن قال قائل: قد نقلت اليهود والنصارى قتل المسيح عليه السلام وصلبه، وقد كذبوا في ذلك، ونقلت المجوس أعلام زرادشت ومعجزاته، وهو كذاب، مع اختلاف