قال أبو بكر: ولا يعتد بخلاف من لا يعرف أصول الشريعة، ولم يرتض بطرق المقاييس ووجوه اجتهاد الرأي: كداوود الأصبهاني، (1) والكرابيسي، (2) وأضرابهما من السخفاء (الجهال)، (3) لأن هؤلاء إنما كتبوا شيئا من الحديث، ولا معرفة لهم بوجوه النظر، ورد الفروع والحوادث إلى الأصول، فهم بمنزلة العامي الذي لا يعتد بخلافه، لجهله ببناء الحوادث على أصولها من النصوص، وقد كان داوود ينفي حجج العقول، ومشهور عنه أنه كان يقول: (بل على العقول، (4) وكان يقول: ليس في السماوات والأرض ولا في أنفسنا دلائل على الله تعالى وعلى توحيده، وزعم أنه إنما عرف الله عز وجل بالخبر، ولم يدر الجاهل أن الطريق إلى معرفة صحة خبر النبي عليه السلام، والفرق بين خبره وخبر مسلمة (5) وسائر المتنبئين والعلم بكذبهم (6) إنما هو العقل، والنظر في المعجزات، والأعلام والدلائل، التي لا يقدر عليها إلا الله تبارك وتعالى، فإنه لا يمكن لأحد أن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعرف الله تبارك وتعالى، فمن كان هذا مقدار عقله ومبلغ علمه كيف يجوز أن يعد من أهل العلم؟ وممن يعتد بخلافه؟ وهو معترف مع ذلك أنه لا يعرف الله تعالى، لأن قوله: إني ما أعرف الله تعالى من جهة الدلائل اعترف منه بأنه لا يعرفه، فهو أجهل من العامي، وأسقط من البهيمة، فمثله لا يعد خلافا على أهل عصره إذا قالوا قولا يخالفهم، فكيف يعتد بخلافه على من تقدمه.
ونقول أيضا: في كل من لم يعرف أصول السمع وطرق الاجتهاد (و) (7) المقاييس