وقد قال بعض أهل العلم: إن مما يعلم صحته من الأخبار من جهة، ما لا يجوز فيه اتفاق الجماعة الكثيرة على اختراع الكذب فيه، كإخبار أهل بلد بخبر كل واحد عن نفسه: أنه يعتقد الإسلام، وكإخبار جماعة كثيرة بخبر كل عن نفسه: أنه يعتقد النصرانية، فإن هذا ونحوه (إذا أدلى) (1) المخبرون به فصاروا بحيث لا يتفق منهم كتمان خلاف ما أظهروه، دل ذلك على اشتمال خبرهم على جماعة قد صدقوا فيما أخبروا به عن أنفسهم.
ومن نحو ذلك ما روته الرواة من أخبار الآحاد، كل يخبر بخبر غير ما يخبر به الآخر، فعلم أن جماعتهم غير كاذبة، وكل شئ أخبر به كل واحد منهم، ونعلم أن هذه الجماعة قد اشتملت فيما أخبرت به على صدق، وإن لم يتميز لنا صدق الصادق منهم من غيره، فهذا ضرب من التواتر الذي يعلم مخبره بالاستدلال، ولم يجد أصحابنا فيمن يتواتر بهم الخبر عددا.
وكذلك قال عيسى بن أبان في ذلك، وذكر أنه إذا نقله قوم مختلفو (2) الآراء والهمم، لا يجوز على مثلهم التواطؤ فهو تواتر.
وقد قال قوم من أهل العلم: إنا قد تيقنا: أن خبر الأربعة لا يوجب العلم بحال إذا لم تقم دلالة أخرى من غير الخبر على صدقهم، وذلك لأن الله تعالى تعبدنا في أربعة شهداء على رجل بالزنا، أنا متى حكمنا بشهادتهم أن لا نقطع على غيبهم، وأن يجوز عليهم الكذب، إذ الغلط والسهو في شهادتهم، وأن يكل أمرهم في مغيب شهادتهم إلى الله تعالى، وإن أمضيا الحكم بها.
قالوا: وهذا حكم عام في سائر الشهادات، فغير جائز أن يجمع علينا التعبد بما وصفنا، مع وقوع العلم بصحة خبرهم، لأن ذلك يتضاد ويتنافى. فدل ذلك على أن خبر الأربعة لا يوجب العلم بحال، وما زاد على هذا خبرهم من الأحوال المقارنة له، حتى إذا كثر العدد في قوم مختلفي الآراء والهمم لا يجوز وقوع التواطؤ منهم، أوجب العلم بصحة خبرهم لا محالة.
قال أبو بكر رحمه الله: وهدانا على خلاف ما قالوا، وذلك: أن الشهود الذين يشهدون بالزنا: شرط صحة شهادتهم أن يحضروا مجتمعين، ويكونوا متشاعرين، يجوز على مثلهم التواطؤ، فلذلك لم يقع العلم بخبرهم، ولو كانوا عشرة أو عشرين جاءوا مجتمعين