رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله إن كنا لنجالس أبا هريرة فيقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول، ثم يقول: أخبر كعب، (1) ثم نفترق من ذلك المجلس فنسمعهم يذكرون حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن كعب، وحديث كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم) (2) فهذا الذي ذكرنا يدل: على أن كبراء الصحابة قد أشفقوا على حديث النبي عليه السلام، من أن يدخله خلل أو وهم، أو أن يلحقوا به ما ليس منه.
فلذلك أمروا بالإقلال من الرواية، إلا لذوي الضبط والإتقان منهم، وإذا كان السهو والغلط جائزا على الرواة، ثم ظهر من السلف إنكار كثرة الرواية على بعضهم، كان ذلك سببا لاستعمال الرأي والاجتهاد فيما يرويه، وعرضه على الأصول والنظائر.
قال عيسى بن أبان رحمه الله: فإن كان الذي روى ذلك عنه مجهولا، أو شك الناس في خبره، واتهموا وهمه، نظر فيه بالاجتهاد، ورد منه ما كان يخالف نظائره من السنة والتأويل، وجاز الاجتهاد في قبوله ورده.
قال: وكل من حمل عنه الثقات الحديث: من أعرابي وغيره، ممن سمع حديثا فرواه، ولم يعرف نشره، وليس من أهل العلم المعروفين بالثقة فيه، والحفظ له، مثل:
معقل بن سنان (3) ووابصة بن معبد، وسلمة بن المحبق: حديثهم عندنا مقبول، لحمل الثقات عنهم.
وللعلماء أن ينظروا في أخبارهم، فيردوا منها ما أنكروا بالتأويل، والقياس، والاجتهاد، ولم يشق على من اجتهد، فرد بعضه، وقبل بعضا، فقبل منه ما لم يرده نظائره من الأصول، ورد منه ما كذبته نظائره، بكون أخبار هؤلاء عندنا كأخبار المعروفين بالعلم والحفظ، كالشهود، وإن كانوا عدولا، ولا يكون منهم المغفل الذي تقبل شهادته في الواضح، الذي يرى الحاكم: أنه يضبط مثله، ويرده في الأمر المشكل الذي يرى: أنه لا يضبط حفظه، والقيام به، أجاز رد رواية المجهول بقياس الأصول، وسوغ الاجتهاد في قبولها وردها من هذا الوجه.