علما، وإنما أكثر ما فيه: أنهم لما فقدوا المسيح، ورأوا رجلا مقتولا مصلوبا، قال لهم من بحضرته: هذا هو المسيح، فسكنت نفوسهم إليه، من غير تعقب منهم بصحة خبرهم، ولا تأمل لأصله، وما يجوز فيه، مما لا يجوز.
وأيضا: فلو ثبت أن الناقلين لقتله وصلبه قوم لا يجوز على مثلهم التواطؤ ولا اختراع الكذب في خبر عن شئ بعينه، لما أوجب خبرهم العلم بأنه هو المسيح، لأن أكثر أحوالهم في ذلك أن يكونوا نقلوا أنهم رأوا شخصا مقتولا مصلوبا، فهم صادقون في رؤيتهم لشخص هذه صفته، ولوقع لنا العلم بأنهم قد رأوا شخصا قد قتل وصلب، فأما أنه المسيح أو غير المسيح فلم يكن يقينا، لأن الله تعالى قادر على إحداث شخص مثل المسيح، في صورته وهيئته، في أسرع من لمح البصر، وظنه القاتلون (1) والذين رأوه مصلوبا، بأنه المسيح، وتسكن نفوسهم إليه، لوجود الشبه.
وقد روي: أن اليهود لما جاءوا يطلبونه، قال لأصحابه: من يختار أن يلقى عليه شبهي فيقتل وله الجنة، فاختار بعضهم ذلك.
وإذا كان أصل خبرهم عن ظن لا يقين، وعلم اضطرار، لم يجز أن يقع لنا العلم بخبرهم. وإن كانوا ممن لا يجوز عليهم فعل خبر لا حقيقة له، لأن شرط ما يوجب العلم من ذلك: أن يخبر به المخبرون عن مشاهدة أمر عرفوه اضطرارا. فأما إذا كان مرجع خبر هم إلى ظن لا حقيقة له، فإنه لا يوجب وقوع العلم بصحة خبرهم: أنه كان المسيح أو غيره.
فإن قيل: كيف يجوز أن يلقي شبه المسيح وهو نبي من أنبياء الله على غيره، حتى لا يفرق الناظر إليه بينه وبين من سواه فيعتقد أنه المسيح.؟؟
(قيل له) (2): لأن قلب العادات ونقضها جائزان في أزمان الأنبياء كما (كان يرى جبريل في صورة دحية الكبي) (3)، (4) ودخول إبليس في صورة شيخ نجدي مرة وفي صورة