فإن قال قائل: قد يرى (1) الرجل يمر بباب دار الرجل فيرى جنازة منصوبة ومغسلا موضوعا، ويسمع صراخا في الدار، فيسأل عجوزا خرجت من الدار عن ذلك، فتقول مات فلان، فلا يرتاب السامع بخبرها، ولا يشك في قولها. وكذلك لو دخل رجل مجلسا حافلا ورأى رجلا في الصدر عليه قلنسوة طويلة، فيسأل رجلا من الحاضرين عن الجالس في الصدر فيقول: فلان القاضي، فلا يرتاب السامع بخبره، ولا يشك في قوله، فعلمنا أن خبر هؤلاء أوجب العلم الضروري بصحة مخبرهم.
قيل له: ليس هذا كما ظننت، وذلك لأنك لم تفرق بين سكون النفس إلى الشئ من غير علم به ولا يقين العلم، وقد تسكن نفس الإنسان إلى الأشياء ثم يتعقبها، فيجدها بخلاف ما اعتقد فيها.
ألا ترى أن أكثر المبطلين والمقلدين نفوسهم ساكنة إلى اعتقاداتهم، وليسوا على علم ولا يقين، بل على جهل وكفر، ثم إذا تعقبوا اعتقاداتهم، ونظروا فيها من وجه النظر، ونبههم عليه منبه، علموا فساد ما هم عليه، وقد يسهو الرجل فيصلى الظهر ثلاثا ويسلم، ولا يشك أنه قد صلاها أربعا.
فإن قال له قائل: إنما صليت ثلاثا، شك فيما كانت نفسه ساكنة إليه، (2) فلا اعتبار إذا بسكون النفس إلى الشئ، ولا يجوز أن تجعل علما لليقين. (3) وعلى أنا قد نرى كثيرا من الناس يتعمدون (4) (5) هذه الأسباب التي ذكرت أنها إذا قاربت الخبر أو أوجبت علم الاضطرار بمخبره ويكون لهم فيها أغراض مقصودة من خوف من سلطان أو مجون وخلاعة.
وقد بلغنا: أن أبا العير في أيام المتوكل (6) قد كان يتعمد (7) بكثير من هذه الأمور على