منه وخطه، يغلب معها في النفس أنه كتابه، فإنه يسع المكتوب إليه الكتاب أن يقول:
أخبرني فلان، يعني الكتاب إليه، ولا يقول حدثني.
وقد قال أصحابنا فيمن قال: إن أخبرت فلانا بسر فلان فعبدي حر، فكتب إليه، ووصل إليه كتاباته. فقد أخبر، وحنث في يمينه، وقد أخبرنا الله تعالى عن القرون الماضية والأمم السالفة في كتابه.
وجائز لنا أن نقول: أخبرنا الله بذلك، ولا يجوز في مثله أن يقول: حدثنا. وقد كان النبي عليه السلام كتب إلى ملوك الآفاق يدعوهم إلى الإسلام، (وكتب إلى الضحاك بن سفيان في توريث المرأة في دية زوجها).
وقال عبيد الله بن عكيم: ورد علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان لا تنفعوا من الميتة بشئ). فدل على أن ما تضمنه الكتاب من ذلك: هو إخبار من الكاتب به.
وأما ما يوجد من كلام رجل ومذهبه في كتاب معروف به قد تناولته النسخ، فإنه جائز لمن نظر فيه أن يقول: قال فلان كذا، ومذهب فلان كذا، وإن لم يسمعه من أحد. مثل كتب محمد بن الحسن، وموطأ مالك، ونحوها من الكتب المصنفة في أصناف العلوم، لأن وجود ذلك على هذا الوصف بمنزلة خبر التواتر والاستفاضة، لا يحتاج مثله إلى إسناد، وقد عاب بعض أغمار أصحاب الحديث على محمد بن الحسن رحمه الله حين سئل عن هذه الكتب فقيل له: أسمعتها من أبي حنيفة؟
فقال: لا، فقيل له: أسمعتها من أبي يوسف؟ فقال: لا. وإنما أخذناها مذاكرة.
فأنكر هذا القائل بجهله على محمد بن الحسن رحمه الله: أن يحكي عنهم أقاويلهم التي في كتبهم المصنفة من غير سماع.
وقد قلنا: إن مثل هذا لا يحتاج فيه إلى سماع، ولا إسناد، لظهوره واستفاضته. ولو لم يكن هذا هكذا لما جاز لأحد أن يقول لموطأ مالك، أو كتاب أبي يوسف: هذا كتاب فلان، وهذا كتاب فلان، إذا لم يكن قد سمعه بإسناد، وأما (1) إذا قال الراوي لرجل: قد أجزت لك أن تروي عني جميع ما في هذا الكتاب، فاروه عني.
فإن كانا قد علما ما فيه، جاز له أن يرويه عنه. فيقول: حدثني، وأخبرني، كما أن