قيل: الجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أنا نقول: إنهما سواء، ولا نكلف (1) في جميع أمور الدين علم الحقيقة، ومنها ما اقتصرنا (2) فيه على غلبة الظن، وما قبلنا فيه أخبار الآحاد - فهو من هذا القبيل، فهما سواء في هذا الوجه، لا فرق بينهما، وقوله تعالى: (ولا تقولوا على الله إلا الحق) (3) (ولا تقولوا على الله ما لا تعلمون) (4) لا ينفي لما ذكرناه في الفصل الذي قبل هذا، وعلى أنه لو كان الأمر فيه كما ظنه هذا السائل، لوجب أن نقبل أخبار المعاملات في الهدايا والوكالات ونحوها، وهي ما يتعلق بها أشياء من أمور الدين: من حظر مباح، أو إباحة محظور، فلما كانت أخبار المعاملات مقبولة مع ما يتعلق بها من أمور الدين، علمنا أنا لم نكلف في جميع أمور الدين إصابة علم الحقيقة.
وأيضا: فإن قضية هذا السائل يمنع المستفتي قبول قول المفتي إذا لم (5) يعلم به حقيقة الحكم، وكذلك يلزمه أن لا يقبل حكم الحاكم إذا حكم عليه بشئ مختلف فيه، فأخبر عن اعتقاده ومذهبه فيه، إذ لا سبيل إلى العلم بحقيقة ذلك.
وينبغي أن لا يقبل قول المرأة إذا قالت: قد طهرت من حيضي، أو قد حضت، في إباحة الوطء وحظره، لهذه العلة، فلما كانت أخبار هؤلاء مقبولة مع عدم العلم بحقيقة مخبراتها، علمنا به فساد هذا السؤال.
وأيضا: فإن أخبار الشرع لو كانت مقصورة على ما يوجب حقيقة العلم، لما ساغ الاستدلال والنظر في إثبات أحكام الحوادث، لأن القياس الشرعي يفضي إلى حقيقة العلم، وإنما هو تغليب الظن وأكثر الرأي في أمور الدين.
وأما الوجه الثاني: فهو ما قدمناه: من أن خبر الواحد يوجب ضربا من العلم على النحو الذي بينا، فلا يعترض عليه ما عارض به السائل من الآية التي ذكرها.
وأما قوله: إن خبر النبي عليه السلام لما لم يجب قبوله في الابتداء إلا بمقارنة الدلائل