عندك (1): أنه سماع، كذلك يجوز: أن يقبل المرسل، وإن لم يثبت: أنه عدل عندي، فاكتفى تعديله إياه بإرساله عنه.
وأيضا: فإن المفتى إذا قال: للمستفتي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بكذا. أو قال فيه:
كذا، لزمه قبول خبره، مع حذف سنده، وهذا أحد ما يحتج به في إثبات المسند، فهو حجة في إثبات المرسل أيضا.
وزعم بعض مخالفينا: أنه إنما روى التابعون المرسل ليطلب في المسند.
فيقال له: معنى قولك ليطلب في المسند، كأنه لم يكن له عندهم إسناد، فإن كنت تعني ذلك فلا يكون كذلك إلا وهم يسمعون، وهذا يوجب أن يحصرو (2) المراسيل لينظر هل توجد في المسند، وهذا لا يجوزه أحد عليهم، لأنهم لو كانوا كذلك - لما كانوا أهلا لقبول رواياتهم أصلا: المسند والمرسل جميعا.
وإن كانوا قد سمعوه - فما الذي منعهم من إظهار سنده وهو موجود عندهم؟! فعلمت أن هذا الفصل من كلامه فارغ لا معنى تحته.
وعلى أنه لو جاز أن يقال هذا في المرسل - لجاز لمبطلي أخبار الآحاد أن يقولوا: إن الصحابة والتابعين إنما رووا الآحاد ليطلب في التواتر، والاثنين والأربعة.
واحتج بعضهم: بأن المرسل لو كان مقبولا لما كان لذكر الإسناد وجه.
فيقال: يقول لك مبطلو خبر الواحد: لو كان خبر الواحد مقبولا لما كان لسماعه من وجهين، وثلاثة، وأربعة، معنى.
فلما جاز أن يطلب الأثر من وجوه مختلفة، ويروى من جهات كثيرة، ولم ينف ذلك جواز الاقتصار على الواحد، كذلك يروى الحديث، فيذكر إسناده تارة، ولا يدل: على أن المرسل غير مقبول.
فإن قال: إنما أرسل التابعون الأخبار إعلاما منهم لسامعيها: أن المحذوف اسمه في السند ليس ممن يحمل عنه العلم.
قيل له: قد أخبروهم عن أنفسهم بخلاف ذلك. فإن صدقتهم كنت كاذبا فيما حكيت عنهم، وإن أكذبتهم فلا تقبل رواياتهم، لا مرسلا ولا مسندا.
وأيضا: فما الذي حملهم: على أن يرووا ما لا يجوز قبوله، ثم يكتموا إسناده. فيعرفوا