باب القول في رواية المدلس وغيره قال أبو بكر رحمه الله: التدليس أن يروى عن أخبر لقيه، ويوهم السامع منه أنه سماع، ولا يكون قد سمعه منه، وإنما سمعه من غيره، فيقول: قال فلان، وذكر فلان، ونحو ذلك.
وقد كان الأعمش، والثوري، وهشام، (1) في آخرين يدلسون الأخبار.
وكان شعبه يقول: لأن أزني أحب إلى من أن أدلس.
والقول فيه عندنا: أنه إن كان المدلس مشهورا بأنه لا يدلس إلا عمن يجوز قبول روايته، فروايته مقبولة فيما دلس، وإن كان الظاهر من حاله أنه لا يبالي عمن دلس: من ثقة أو غير ثقة، فإنه لا يقبل روايته إلا أن يذكر سماعه فيه، على نحو ما بينا في إرساله الحديث، ولا سيما كل من أسقط من بينه وبين من روى عنه رجلا مدلسا، لأن الصحابة قد رووا عن النبي عليه السلام كثيرا من الأحاديث التي لم يسمعوا، وحذفوا ذكر من بينهم وبين النبي عليه السلام، واقتصروا على أن قالوا: قال النبي عليه السلام. وكذلك التابعون، ولا يسمعون مدلسين من وجهين:
أحدهما: أنهم إنما قصدوا الاختصار، وتقريب الإسناد على السامعين منهم.
والآخر: أنهم أرادوا بالإسناد (2) تأكيد الحديث، والقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قاله، ولم يقصدوا التزين بعلو الإسناد.