والخفي منها: قد يعرض فيه شبهة يتبعها الناظر، فيذهب عن وجه الصواب، وأكثر ما يعرض هذا لمن نظر في الفروغ قبل إحكام الأصول، أو لا ينظر في شئ من وجه النظر.
ألا ترى: أن أحدا لا يعتر يه الشك ولا تعرض له شبهة: في أن القولين المتضادين لا يخلوان من أن يكونا فاسدين، أو يكون أحدهما صحيحا والآخر فاسدا، لأنه (1) لا يصح له الاعتقاد لصحتهما جميعا، كنحو قول القائل: زيد في الدار (في هذه الساعة). (2) وقال آخر:
ليس هو في هذه الدار (في هذه الساعة) (3) إنهما جميعا لا يجوز أن يكونا صادقين، وجائز أن يكونا كاذبين، وجائز أن يكون أحدهما صادقا والآخر كاذبا، وهذا التقسيم وما يجوز فيه مما لا يجوز طريقه العقل.
وسائر العقلاء لا يشتركون في العلم بأن حكم هذا الخبر واقع في أحد هذه الأوصاف، ومن نفى هذا فهو كنافي علوم الحس والمشاهدات.
وقد يكون في المحسوسات ما يدق ويلطف، فيحتاج في صحة وقوع العلم إلى ضرب من التأمل، كالشخص إذا رأيناه من بعيد، وكالهلال إذا طلبناه، فربما اشتبه، وربما كان إدراكه بعد التأمل والتحديق الشديد، وكذلك علوم العقل: فيها جلى، وفيها خفي.
ويبين (4) بما ذكرنا أيضا: أن العلم يفرق ما بين البهيمة وبين الإنسان العاقل المميز، كالعلم بوجود الأشياء المحسوسات، وكالعلم بفرق ما بين الحيوان والجمادات.
ولو لم يكن للعقل حظ في التمييز بين هذه الأشياء التي (5) سبيل إدراكها العقل (لكان الإنسان والبهيمة) (6) بمثابة واحدة، فكأن الإنسان لا يعلم إلا ما تعلمه البهيمة إذا كانت علومه مقصورة على ما تؤديه إليه حواسه.
وتبين: أن استعمال حجج العقول ضرورة (7) إذ كل (8) من نفاها فإنما ينفيها بحجج