فصل في الدلالة على الصحيح مما قسمنا عليه أخبار الآحاد قال أبو بكر رحمه الله: الدليل على أن خبر الواحد إذا رواه العدل الثقة الذي لم يظهر من السلف النكير عليه في رواياته مقدم على القياس - قول الله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) (1) وقوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) (2) فدلت هذه الآيات: على أن من عنده نص من حكم الله فأظهره، فقال: هذا نص حكم الله تعالى، لزم قبول قوله، إذا كان عدلا ضابطا، لأن الدلالة قد قامت: على أن غير العدل لا يقبل خبره، فإذا كان كذلك لم يجز رده بالقياس، مع أمر الله تعالى إيانا بقبوله والحكم به، من غير اعتبار قياس معه.
ويدل عليه أيضا: أن الصحابة رضي الله عنهم قد كانوا يعتقدون القول من طريق القياس، ثم يتركونه إلى خبر واحد يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقبول عمر رضي الله عنه خبر حمل (3) بن مالك، وترك رأيه له، لأنه قال: (كدنا أن نقضي في مثله برأينا، وفيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فإن بعض الألفاظ: لولا من رواه لكان رأينا فيه غير ذلك. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا لا نرى المخابرة بأسا، حتى أخبرنا رافع بن خديج: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فتركناها) وأخبار أخرى كثيرة كانوا يتركون القياس لها، (4) وكان (5) الخلفاء الراشدون