واحدا، كان خلافه صحيحا، ولم يثبت مع خلافه إجماع، وكان أبو الحسن يذهب إلى هذا القول، ولم أسمعه يحكي عن أصحابنا في ذلك شيئا.
قال أبو بكر: واستدل من قال بالقول الأول على صحته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد) فقد تضمن هذا القول الأمر بلزوم الجماعة دون الواحد، ومعلوم أن مراده: إذا قالت الجماعة شيئا وقال الواحد خلافه. ولولا أن ذلك كذلك - لما كان لذكره الواحد منفردا عن الجماعة معنى، فلو وجب أن يعتد بخلاف مثله فيما لم تسوغ الجماعة فيه خلافها، لما انعقد إجماع أبدا على شئ، لأن القول إذا انتشر وظهر في أهل العصر من غير خلاف ظهر من بعضهم على بعض، فإنا نجوز مع ذلك أن يكون هناك واحد أو اثنان لم تبلغهم هذه المقالة، أو بلغتهم فلم يظهروا الخلاف، لأن مثله جائز من الواحد والاثنين والعدد اليسير، ولا يجوز من الجماعات المختلفي الهمم والأسباب. فإذا كان تجويز ذلك لم يمنع صحة الإجماع، فإن إظهارهم لهذا الخلاف غير قادح في الإجماع، لأن إجماع الجماعة التي ذكرنا حالها لا يخلوا من أن يكون حجة على ذلك الإنسان الذي أسر الخلاف ولم يظهر، أو لا يكون (1) حجة، فإن كان حجة له (2) فهو حجة عليه أيضا، وإن أظهر (3) الخلاف فإن لم يكن حجة عليه لم يثبت إجماع أصلا، لتعذر الوصول إلى العلم: بأن كل واحد من أهل العصر قد وافق الجماعة على ذلك القول.
ومن جهة أخرى: إن هذا لا يخلو من أن يضل القائل به، أو يكون مخطئا فيه، فغير جائز إذا كان هذا هكذا: أن يكون الجماعة في حيز الضلال أو الخطأ، والواحد في حيز الصواب، لأنه لو كان كذلك لكان ذلك الواحد المنفرد بنفسه حجة، لوقوع الصواب في خبره دون الجماعة. فلما لم يجز القطع على أحد من الأمة (بأنه) (4) ممن لا يجوز وقوع الخطأ منه، علمنا: أنه غير جائز أن يكون الحق في قول الواحد والاثنين دون الجماعة. ولو جاز هذا لجاز أن ترتد الجماعة ويبقى الواحد على الإيمان. ولو جاز وقوع هذا بطلت الشريعة لعدم (5)