قال أبو بكر: وليس لما يقع العلم به من الأخبار عدد معلوم من المخبرين عندنا، إلا أنا قد تيقنا: أن القليل لا يقع العلم بخبرهم، ويقع بخبر الكثير، إذا جاءوا متفرقين، لا يجوز عليهم التواطؤ في مجرى العادة، وليس يمتنع أن يقع العلم في بعض الأحوال بخبر جماعة، ولا يقع بخبر مثلهم في حال أخرى، حتى يكونوا أكثر، على حسب ما يصادف خبرهم من الأحوال، وقد علمنا يقينا: أنه لا يقع العلم بخبر الواحد والاثنين ونحوهما، إذا لم تقم الدلالة على صدقهم من غير جهة خبرهم، لأنا لما امتحنا أحوال الناس لم نر العدد القليل يوجب خبرهم العلم، والكثير يوجبه، إذا كانوا بالوصف الذي ذكرنا، و ما كان من الأمور محمولا على العادة، فلا سبيل إلى تحديده، وإيجاب الفصل بينه وبين ما عداه بأقل القليل.
وأما من قال: إن خبر الواحد يوجب علم الاضطرار، فإنه لا يخلو من أن يقول: إنه يوجب العلم لسامعه، إذا كان المخبر عنه باضطرار، من غير معنى يقارنه، ولا يوجبه إلا إذا قارنته أسباب توجب العلم بصحة خبره.
فإن كان خبر الواحد يوجب العلم بنفسه إذا كان المخبر قد علم ما أخبر عنه باضطرار، فوجب أن يعلم كل سامع صدق كل من أخبر عن شئ شاهده من كذبه، وأنه يحكم بأن غيره كاذب، إذا لم يقع له العلم الضروري بصحة ما أخبر به، وكان يجب أن يعلم صدق المدعي والمدعى عليه، فمتى وقع لنا العلم الضروري بصحة دعواه حكمنا بها، وإذا لم يقع لنا العلم الضروري لما ادعاه حكمنا ببطلان قوله، فلا يحتاج المدعي إلى بينة، ولا يحتاج المدعى عليه إلى اليمين، وواجب أن يعلم كذب الزوج أو صدقه إذا قذف امرأته، فإذا لم يقع لنا علم الاضطرار بصدقه حكمنا بكذبه وحددناه، ولا نوجب بينهما لعانا، وقد حكم الله بصحة اللعان بينهما، ولو كان العلم كافيا لنا (1) بقول أحدهما ما جاز أن يستحلف الآخر على صدقه، مع وقوع العلم بكذبه، لأنه غير جائز أن يتعبدنا الله بأن يأمرنا (2) بالإخبار بالكذب والحلف عليه، مع علمنا بأنه كذب، وهذا شئ قد علم بطلانه.
وأوجب أيضا: أن لا تعتبر عدالة الشهود إذا شهدوا على رجل بحق وأن الحكم بشهادتهم يكون موقوفا على ما يقع للحاكم من العلم الضروري بصحة خبرهم، فإن وقع