التي يعتبرها قائل هذه المقالة. بل لا يمكنه حتى (1) إثبات خبر يرويه اثنان، عن اثنين، حتى يبلغوه النبي عليه السلام. فكيف يصح له الاحتجاج بها في اعتبار خبر الاثنين.
منها: أنه ذكر قصة ذي اليدين حين قال للنبي عليه السلام: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: (كل ذلك لم يكن، ثم أقبل على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال:
أحق ما يقول ذو اليدين؟ فقالا: نعم) قال: فلما لم يكتف النبي عليه السلام بقول ذي اليدين وحده - دل على أن خبره لم يوجب حكما، ولو كان يوجب حكما لما احتاج إلى مسألة غيره في إثبات حكمه.
فيقال له: إن لأخبار (2) الآحاد عندنا شرائط في قبوله.
منها: أن المخبر إذا حكى شيئا ذكر أنه كان يحضره جماعة، ثم لم تعرفه الجماعة. كان ذلك عندنا موجبا للتثبت في خبره، وقصة ذي اليدين من هذا القبيل. فامتنع عند النبي صلى الله عليه وسلم أن يخفي ما ذكره على جماعه الحاضرين، وينفرد هو بمعرفته دونهم، فلذلك سأل غيره.
ألا ترى: أن رجلا لو قال للإمام يوم الجمعة: إنك صليت ركعة، لم يعرف ذلك من خلفه مع كثرتهم، أنه لا يلتفت إلى خبره، وكما نقول في رؤية الهلال: إنه لا يقبل قول الواحد فيه إذا لم تكن بالسماء علة، لأنه يمتنع أن لا يحضر جماعات كثيرة لطلب الهلال، فينفرد برؤيته واحد دونهم، مع تساويهم في صحة الإبصار، وإنفاق همهم في الطلب.
وذكر أيضا: أن النبي عليه السلام لم يشهد في عهوده والإقطاعات للناس أقل من رجلين، فدل على وجوب اعتبار العدد في الأخبار.
قال أبو بكر رحمه الله: أما العهود والإقطاعات: فإن فيها حقوقا لقوم بأعيانهم، كسائر حقوق الآدميين، فاحتاج إلى شهادة رجلين توثقة لهم، وحجة يصلون بها إلى إثباتها بعد وفاة النبي عليه السلام، وليس ذلك من أخبار الديانات في شئ.
ألا ترى: أن النبي عليه السلام قد كتب كتبا في الأحكام، ولم يشهد فيها أحدا، نحو كتابه لعمرو بن حزم في ضروب من الأحكام، وكتابه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصدقات، وكتابه إلى الضحاك بن سفيان، وكتابه إلى ملوك الآفاق، وغير ذلك من الكتب، ولم يشهد في شئ منها شهودا، لأن طريق إثباتها كان للخبر، لا للشهادة.