القاضي ببيع أمهات الأولاد - دلالة: على أنه كان لا يرى الإجماع بعد الاختلاف إجماعا صحيحا.
قال أبو بكر: والدليل على صحة هذه المقالة: أن سائر ما قدمناه من الآي الموجبة لحجة الإجماع يوجب صحة الإجماع الحادث بعد الاختلاف، وذلك أن قوله تعالى:
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (1) وقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) (2) وقوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) (3) وقوله تعالى: (واتبع سبيل من أناب إلي) (4) من حيث دلت هذه الآيات على صحة الإجماع ولزوم حجته إذا لم يتقدمه خلاف فهي دالة على (صحته ولزوم) (5) حجته، وإن تقدمه اختلاف، إذ لم يفرق بين شئ من ذلك.
وأيضا: فلو جاز إجماع أهل عصر على قول يجوز الشك في تصويبه والوقوف على اتباعه، لبطل وقوع العلم: بأنه لا بد في كل عصر من (شهداء الله) (6) تعالى، متمسكين بالحق غير مبطلين ولا ضالين، وهذا يوجب بطلان القول بصحة الإجماع.
فإن قال قائل: لما اختلفوا وسوغوا الاجتهاد فيه، صار ذلك إجماعا منهم على جواز الاختلاف، وتسويغ الاجتهاد فيه، فقد صار ما أجمعوا عليه من تجويز ذلك - حكما لله تعالى، وما ثبت به حكم الله تعالى في وقت، فهو ثابت أبدا حتى يثبت نسخه، والنسخ معدوم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
قيل له: تسويغهم الاجتهاد فيه معقود ببقاء الخلاف وعدم الإجماع، وذلك لأنا قد علمنا: أنهم قد كانوا يعتقدون حجة الإجماع، فعلمنا بذلك: أن تسويغهم الاجتهاد فيه مضمن بهذه الشرطية.