الموجبة لتصديقه، (1) فكان غيره بمثابته في امتناع جواز الاقتصار على خبره عاريا من دليل يوجب صدقه. فلا معنى له، لأنه لم يجمع بينهما معنى يقتضي الجمع بينهما.
وأيضا: فإن خبر النبي عليه السلام بدء فإنما كان مع دعائه للناس إلى العلم بصدقه وصحة نبوته، وكل من دعا إلى العلم بصحة خبره، وكذلك نقول في (كل ما) (2) كان سبيله وقوع العلم بخبره من الأخبار، فغير جائز الاقتصار به على الخبر مجردا (3) دون مقارنة الدلائل الموجبة لصحته. ثم إذا صحت نبوته بالمعجزات التي أظهرها الله له، صارت تلك الدلائل موجبة لصدق إخباره في جميع ما يخبر به.
وأما أخبار الآحاد في أحكام الشرع، فإنما الذي يلزمنا بها العمل دون العلم.
فالمستدل بأخبار النبي عليه السلام على نفي خبر الواحد معتقد لما وصفنا.
وأيضا: فإن هذا القول منتقض على قائله في الشهادات، وأخبار المعاملات، في الفتيا، وحكم الحاكم، ونحوها، لأن هذه الأخبار مقبولة عند الجميع، مع تفردها من الدلائل الموجبة لصحتها، وأما قوله: إن ذلك يوجب كون المخبر أعلا منزلة من النبي عليه السلام - فليس كما ظن، لأنه إنما يكون كذلك لو قلنا: إن خبر النبي عليه السلام لا يوجب العلم بمجرده، حتى تقارنه دلائل غيره توجب صحته، وخبر غيره يوجب العلم بمجرده، دون مقارنة الدلائل له.
فأما إذا قلنا: إنما يقبل خبر الواحد المخبر غيره عن النبي عليه السلام في لزوم العمل به، دون وقوع العلم بصحته، والقطع على عينه.
وقلنا: إن خبر النبي عليه السلام لما اقتضى وقوع العلم بصحة خبره، وما دعا إليه، احتاج إلى الدلائل الموجبة لصدقه، فلم نجعل المخبر عن النبي عليه السلام أعلا منزلة منه عليه السلام في خبره، ولو كان هذا كما ظن السائل للزمه أن يكون المخبر بأخبار المعاملات والشهادات والفتيا والحكم - أعلا منزلة من النبي عليه السلام، لقبول خبرهم بلا دلالة تقارنه، موجبة لتصديقه، وامتناعه من قبول خبر النبي عليه السلام، إلا بعد إقامة الدلائل على صدقه. (4)