ويحتمل أن يكون مراده المجهول من أهل عصره، أو قبيل عصره، ويحتمل أن يريد به المجهول من الصحابة والتابعين، فإن كان مراده: أن المجهول الذي ذكر أمره من أهل عصره أو قبيل ذلك، فهذا وجهه عندنا: أن القرن الرابع من الأمة قد حكم النبي عليه السلام بظهور الكذب منهم، بقوله عليه السلام (خير الناس قرني الذي بعثت فيه، ثم الذي يلونهم، ثم يفشو الكذب) (1) فجائز أن يكون استعماله للقياس في معارضة خبر المجهول من هذه الجهة. وإن كان هذا المجهول من السلف، من صحابي، أو تابعي، فإن عيسى قد ذكر: (أن عليا عليه السلام إنما رد خبر معقل بن سنان الأشجعي في قصة بروع بنت واشق) لأنه كان خلاف القياس عنده، وكان سنان غير مشهور بالحفظ والرواية.
ألا ترى أنه قال: لا تقبل شهادات الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنما رد خبره لأنه لم يكن معروفا بتحمل العلم، ونقل الأخبار، وقبله عبد الله بن مسعود وفرح به، لأنه كان عنده مواقفا لرأيه، فجعل عيسى رحمه الله مذهبهما في ذلك أصلا في جواز رد رواية المجهولين من الرواة، لمخالفتها القياس. ونزل رواية المجهول منزلة أخبار من شك الناس في خبره، (واتهم حفظه) (2) على نحو ما ذكرنا من إنكار الصحابة على أبي هريرة كثرة الرواية، ومعارضتها بالقياس.
قال أبو بكر رحمه الله، وتحصيل ما روينا عنه وجملته: أنه نزل أخبار الآحاد على منازل ثلاث:
أحدها: ما يرويه عدل معروف بحمل العلم، والضبط، والإتقان (3) من غير ظهور ينكر