الصحابي حجة، يترك له القياس، إذا لم يعلم عن أحد من نظرائه خلافه، قال: وكان يحتج فيه بأن قياس الصحابي أرجح من قياسنا وأقوى، لعلمهم بأحوال المنصوصات بمشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بمنزلة خبر الواحد عن النبي عليه السلام في كونه مقدما على القياس مع عدم العلم بوقوع مخبره.
كذلك اجتهاد الصحابي لما كان أقوى من اجتهادنا - وجب أن يكون مقدما على رأينا.
قال: وأيضا فإنه جايز أن يكون قاله نصا وتوقيفا، وجايز أن يقوله اجتهادا، فصار له هذه المزية في لزوم تقليده، وترك قولنا (1) لقوله.
قال أبو بكر: وقد قال أبو حنيفة: إن من كان من أهل الاجتهاد فله تقليد غيره من العلماء، وترك رأيه (2) لقوله، وإن شاء أمضى اجتهاد نفسه (وروى داود بن رشيد (3)، عن محمد مثل قول أبي حنيفة، (4)، (5) وقال محمد: ليس لمن كان من أهل الاجتهاد تقليد غيره، وكان أبو الحسن يقول: إن قول أبي يوسف في ذلك كقول محمد، وكان يحتج لمذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: بأن هذا عنده ضرب من الاجتهاد، لأنه جائز (6) عنده أن من يقلده (7) أعلم وأعرف بوجوه القياس وطرق الاجتهاد منه، فيكون تقليده إياه ضربا من الاجتهاد، يوجب أن يكون اجتهاد من قلده أقوى وأوثق في نفسه من اجتهاده.
قال أبو بكر: وهذا يقوي ما حكيناه: من حجاج أبي سعيد في تقليد الصحابي، ويكون لتقديم قياس الصحابي واجتهاده على اجتهادنا فضل مزية بمشاهدته للرسول صلى الله عليه وسلم، ومعرفته (8) بأحوال النصوص، وما نزلت فيه، وعلمه بتصاريف الكلام، ووجوه الخطاب،