علينا فعله. والكلام في الدلالة على أنه فعل ذلك على جهة الوجوب - خروج عن المسألة.
ومن الدليل أن ظاهر فعله لا يقتضي وجوب مثله علينا: أنه لا يصح تكليفنا عموم مثل أفعاله، لأنا لا نقدر عليه، ولا نتوصل إليه، لأن من كان مخاطبا بذلك يحتاج إلى ملازمته، وترك مفارقته، فاستحال من أجل ذلك تكليفنا عموم أفعاله، فلما استحال ذلك علمنا أن بعضها غير واجب، فلو كان بعضه واجبا لاستحال أن يميز ما هو واجب منها مما ليس بواجب، بدلالة غير الفعل، فإذا لا يصح الاستدلال بظاهر فعله على وجوب فعل مثله علينا.
فإن قيل: ما أنكرت أن يكون أفعاله واجبة علينا حتى تقوم الدلالة على أن شيئا منها غير واجب، فيخرج على حد الوجوب بالدلالة الموجبة لذلك.
قيل له: هذا خطأ، لأن هذا إنما يسوغ أن يقال فيما يصح تكليف جميعه، ثم يرد لفظ (1) يقتضي لزوم الجميع.
فيقال: إن الجميع واجب، إلا ما قام دليله، فأما ما لا يصح تكليف جميعه - فغير جائز أن يقال: إن جميعه واجب، إلا ما قام دليله، وعلى أنك لم تعضد هذا القول بدليل.
ولخصمك أن يقول: إن جميعه غير واجب، حتى يقوم دليل على الوجوب.
قال أبو بكر رحمه الله: قد دللنا على أن ظاهر قوله عليه السلام لا يقتضي وجوب مثله علينا.
وندلل (2) الآن: على أنا متى وقفنا على حكم فعله: من إباحة، أو ندب، أو إيجاب، فعلينا اتباعه، والتأسي به فيه، فنقول وبالله التوفيق:
الدليل على ذلك: قوله تعالى: (فاتبعوه) (3) وقال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (4) وقال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (5) والاتباع: أن يفعل مثل فعله، وفي حكمه، فإذا فعله واجبا، فعلنا على الوجوب، وإذا فعله ندبا، أو مباحا، فعلناه كذلك، لنكون قد وفينا الاتباع حقه، وفيما يقتضيه.