وأما ما لم يثبت من ذلك من أحد هذين الوجهين فلا اعتبار به، لأن أهل (1) الكتاب قد غير وا كثيرا من أحكامه وبدلوها، فلا يلتفت إلى رواية من حكى من المسلمين: أن في التوراة أو الإنجيل كذا، ولا إلى رواية أهل الكتاب عن كتبهم أيضا، لأن قول هؤلاء غير مقبول في إثبات الشريعة، بكفرهم وضلالهم.
وقد احتج محمد بن الحسن (2) رحمه الله في كتاب الشرب، لإجارة المهايأة في الشرب، بما حكى الله تعالى في كتابه في قصة صالح وقومه، حين قال تعالى: (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) (3) وقال تعالى: (هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم). (4) وهذا يدل دلالة بينة: أنه كان يرى أن ما لم يثبت نسخه من شرائع الأنبياء المتقدمين فهؤلاء لازم لنا.
ثم جائز لنا أن يقال: إنه إنما رآه لازما لنا لأن عنده أنه قد صار شريعة لنبينا عليه السلام.
وقد كنت أرى أبا الحسن رحمه الله كثيرا ما يحتج لإيجاب القصاص بين الحر والعبد، والمسلم والذمي، بقوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس) (5) وظاهر احتجاجه بهذه الآية يدل على أنه يرى هذا المذهب صحيحا. (6) قال أبو بكر قائل: قد كانت شرائع من قلبنا لازمة لمن جاء بعدهم إلى آخر الأبد ما ينسخ.