له علم الاضطرار بذلك علم صدقهم، وإن لم يقع له ذلك حكم بكذبهم، عدولا كانوا أو غير عدول.
فإن قال قائل: إنما يقع العلم لخبر بعض الناس دون بعض، وليس يمتنع، لأنه إذا كان الله تعالى هو المتولي لإحداث العلم عند خبر هذا السامع، (1) فليس يمتنع أن يفعله في حال دون حال.
قيل له: قولك إن الله تعالى هو المتولي لإحداث العلم للسامع عند هذا الخبر: هو نفس المسألة، وهو موضع الخلاف، لأنا نقول ليس أحد من المخبرين يحدث الله عند خبره للسامع علما، فاقتصارك به على بعض الناس دون بعض لا معنى له، وعلى أن ما ألزمناه قائم عليه، لأن كل سامع فإنما يكون محجوجا بما أحدث الله تعالى له من العلم عند الخبر، وإن لم يحدث له علم لم يجب عليه الحكم بصحة الخبر، وإن أحدثه حكم بصحته، فلا معنى إذا للكلام في تبيينه في نظر وحجاج، وإنما يجب على كل إنسان أن يحكم بما يضطر إلى علمه دون غيره، وعلى هذا الخبر لا ينبغي أن يختلف أن يكون المخبر قد علم ما أخبر به عنه ضرورة أو لا يعلمه، لأن العلم بصحة مخبره موقوف على ما يحدثه الله تعالى فيه، وعلى أن الله تعالى قد أمرنا لنتثبت في سائر الشهادات، وأن لا نقطع بصحتها (2) ولو كان خبر الشهود يوجب علم الاضطرار بحال، لما جاز أن نكون مأمورين في تلك الحال، بأن لا نقطع بصحة ما علمناه ضرورة.
فإن قال قائل: إن خبر الواحد إنما يوجب علم الاضطرار إذا صحبه أسباب، وأخبر به عن مشاهدة.
قيل له: ليس من الأسباب التي تقارن الخبر شئ آكد ولا أثبت من الأسباب التي (قارنت أخبار) (3) النبي عليه السلام، الموجبة لتصديقه، ثم لم نعلم صحة خبر الاستدلال، إذا أخبر عن مشاهدة جبريل عليهما السلام، وخطابه إياه، وأنه أسرى به إلى بيت المقدس، وإلى السماء، ولو كان في الدنيا خبر واحد يوجب علم الضرورة لكان خبر النبي عليه السلام أولى الأخبار بذلك. فلما عدمنا ذلك في أخبار النبي عليه السلام، علمنا بطلان قول هذا القائل.