سراقة ابن مالك المدلجي (1) مرة أخرى)، (2) ولا يجوز مثله في غير أزمان الأنبياء، فلو أن رجلا رأى في زمن النبي عليه السلام شخصا على صورة دحية الكلبي، لم يجز له أن يقطع بأنه دحية، ووجب عليه أن يجوز أنه جبريل عليه السلام، وإذا كان كذلك فليس في مشاهدتهم لشخص مقتول يشبه المسيح، ما يوجب القطع بأنه هو لا محالة، مع تجويزه لنقض العادة بإحداث الله مثله، أو إلقاء (3) شبهه على غيره. فلما وجدنا القرآن الذي ثبت أنه من عند الله بالشواهد الصادقة قد نطق بأنهم (ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) علمنا أن: الأمر جرى في أصل الخبر عن قتله وصلبه، على أحد الوجوه التي ذكرناها.
وأما المجوس: فإن الذي تدعيه في أعلام زرادشت يجري مجرى الخرافات، التي تتحدث بها النساء والصبيان، وإنما أكثر ما يعدونه له أنه أدخل قوائم فرس للملك في جوفه، ثم أخرجها، وعاد الفرس صحيحا كما كان، ومرجع هذا الخبر عندهم إلى الملك وقوم من خاصته، وهؤلاء يجوز عليهم التواطؤ على الكذب، وأن من سياسة (4) الملك لما اختبره فرأى حيلته (5) ودهاءه واطأه على الاستجابة له، على أن يكون أحد أركان شرائعه التي يدعوا الناس إليها للتدين (6) بطاعة الملوك، وتعظيم شأنهم، أخبر الملك قوما من خاصته بما ذكر من أمر الفرس، فتلقوه وانتشر الخبر به، ثم حمل الناس بالسيف على الدخول في دينه، ثم طالت مدته، ونشأ عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، وألفوه واعتادوه، ثم ما زال من ينتحل منهم الدين ويتخصص بنقل الأخبار، ويزيد فيه، ويشيعه في الدهماء، فينقلوه إرادة منهم لتأييد الدين، وبتأكيد أمره، وكانت العلوم في زمن ملوك الفرس مقصورة (7) على قوم بأعيانهم، لا يدخل فيه غيرهم، ويمنعون من لم يكن من أهله انتحاله، والنظر فيه،