ونقول: إن موضع الخلاف لم يثبت فيه اتفاق ولا توقيف، فلم نثبته، ولا سبيل إلى إثباته من طريق المقاييس فتسومنا (1) إقامة الدليل عليه من هذه الجهة.
فإن قال قائل: فيقول لك خصمك: قد اتفقنا على أنها مأمورة بترك الصلاة في أول يوم ترى فيه الدم، فلا أزول عن هذا الاتفاق إلا بتوقيف أو اتفاق مثله. فيوجب ذلك أن يكون أقل الحيض يوما واحدا، حسبما ذكرته من (2) الثلاثة والعشرة.
قيل له: لم تؤمر (3) بترك الصلاة على جهة القطع منا بكون ذلك الدم حيضا، وإنما أمرناها أمرا مراعا، والثلاثة والعشرة متفق على أنها حيض، لا على جهة المراعاة والترقب بحال ثانية.
ألا ترى: أنها مأمورة بترك أول صلاة حضر وقتها بعد رؤية الدم (وإن لم يكن رؤية الدم) (4) هذا القدر من الوقت حيضا، وإنما كان أمرنا إياها بذلك مراعا (5) ومترقبا به حالا ثانية عند مخالفينا، كذلك حكمها في رؤية الدم يوما وليلة، محمول على ذلك، وأما إذا صارت ثلاثة، فقد حصل اليقين بوجود الحيض عند الجميع، فلذلك جاز لنا أن تقف عند الإجماع، وننفي (6) ما سواه، ما لم يرد فيه توقيف ولا ثبت (7) فيه اتفاق.
ومن نظائر ما ذكرنا في الحيض: مدة أقل السفر أنها ثلاثة أيام، وأن أقل الإقامة خمسة عشر يوما، من باب قصر الصلاة والإفطار، وما جرى مجرى ذلك من الأحكام المعلقة بالسفر، وهاتان المدتان متفق عليهما، فجاز لنا الوقوف عند هما، (8) لاتفاق الجميع على اعتبار هما ونفى