شئ من جهة السمع، جاز له أن يقول: لم يبن لي أن ذلك ثابت، ومن ادعى إثباته فعليه أن يبين، وإلا فالأصل أنه غير مثبت.
فيقال للقائل بهذا القول: إنك وإن كنت نافيا للحكم الذي نازعك فيه خصمك، فإنك مثبت لصحة اعتقادك بأن لا دليل عليك، وإن نفى هذا الحكم واجب.
وهذا شئ طريقه السمع، فلم ثبت اعتقادك كذلك بغير دلالة وناقضت في قولك:
أن النافي لا دليل عليه، وأن الدليل على المثبت.
ثم يقال له: إن طريق أحكام الشرع، وإن كان أصولها السمع - فإن الله تعالى قد نصب في أصولها دلائل على فروعها في النفي و الإثبات، فقد جرت مجرى العقليات في وجوب دلائلها على المنفي والمثبت منها، فهلا أوجبت إقامة (1) الدلالة على نفي ما نفيت كما أوجبتها على إثبات ما أثبت؟.
وأيضا: فإنك قد استدللت على النفي بما ذكرته: من أن أصله النفي حتى يزول عنه السمع، وذلك ضرب من الاستدلال على النفي، وهو من أحكام الشرع، فقد ناقضت في قولك: إن النافي في هذا الباب لا دليل عليه.
ويقال: هل علمت: أن ما نفيت من ذلك لا دليل على إثباته؟
فإن قال: نعم. قيل له من أين علمته؟
فإن قال علمته بدلالة.
قيل له: فأنت إنما نفيته بدلالة، فأظهر (2) ذلك الدليل. وقد تركت مع ذلك أصلك لإقرارك بأن على النفي دليلا.
فإن قال: لست أعلم أنه ليس عليه دليل.
قيل له: فنفيته بجهل من غير علم منك بنفي الدلالة، فهلا أثبته مع الجهل بدلالته؟ وكيف صار النفي في هذا الوجه أولى من الإثبات! وقد ذم الله تعالى من هذه طريقته في نفي الشئ بغير دلالة. فقال تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) (3) فعنفهم