على نفي ما لم يعلموه منفيا. وقال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) (1) ولم يخصص (2) به الإثبات من النفي.
وأيضا: فإن الله تعالى قد نص: أنه قد بين أحكام الشرع في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أحكام الشرع النفي والإثبات، فلم يخصص بالبيان أحد القسمين دون الآخر، وذلك نحو قوله تعالى: (وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة) (3) وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (4) ومعلوم أنه (لم) (5) يرد به وقوع البيان في الجميع نصا. وإنما أراد نصا ودليلا، ولم يخصص الإثبات من النفي فهو عليهما جميعا. فهلا طلبت دلالة النفي في الكتاب: كدلالة الإثبات. وقال تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (6) فأمر بالتفكر في استدراك أحكام الشرع، ولم يخصص الإثبات من النفي، فهو عليهما جميعا.
فإن قال قائل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة على المدعي، واليمين على (من أنكر) (7)، والنافي منكر، فلا بينة عليه والمثبت مدع فعليه البينة.
قيل: لو اكتفينا بهذا الخبر (في) (8) دحض مقالتك، وفساد أصلك، كان كافيا، لأنك مدع لنفي الحكم بإنكارك له، ومدع لبطلان قول خصمك المثبت لما نفيت، ومدع بأن حكم الله تعالى في ذلك النفي دون الإثبات، ومدع لصحة اعتقادك بأنه لا دليل عليك فيما (9) نفيت من ذلك. فمن حيث كنت مدعيا في هذه الوجوه كان عليك إقامة البينة على صحة دعاويك هذه بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (البينة على من ادعى).
فإن ترك الاحتجاج بظاهر الخبر، وقال: لما اتفقنا على أن من ادعى شيئا في يدي