لأنه حكم بأنه لا دليل عليه (في نفيه) (1) لما نفاه، ولا دليل على خصمه أيضا في نفى (2) صحة قوله، وهذا غاية التناقض والفساد.
ويقال لقائل هذا القول: إذا نفيت حكما خولفت في نفيه، وزعمت أنه لا دليل عليك فهل علمت صحة ما نفيته؟
فإن قال: قد علمت (أن) (3) ما نفيته فهو منتف على الحقيقة.
قيل له: بم علمته وخصمك بإزائك يخالفك فيه، ومن ادعى علم شئ فلا بد له من برهان.
فإن قال: لا أعلمه حقا.
قيل له: فلم اعتقدته منفيا بغير دلالة، وأنت لا تدري أحق هو أم باطل، وقد نهاك الله تعالى عن ذلك بقوله: (وأن (4) تقولوا على الله ما لا تعلمون) (5) فإن جاز لك أن تعتقد صحة ما لا تعلمه حقا وصوابا إذا كنت نافيا، ولا تلزم نفسك إقامة الدليل عليه، فلم لا يجوز أن تثبت ما لا تعلمه ثابتا بغير دليل؟
ولو كان ما قالته هذه الطائفة حقا، كان لا دليل على من نفى حدث العالم، ونفى إثبات الصانع، ولجاز له القول في نفى ذلك، و ترك النظر في إثبات ذلك أو نفيه، وهذا لا يقوله مسلم.
وأما من قال: إن من نفى ما طريقه العقل فعليه إقامة دلالة، وليس كذلك ما طريقه السمع. فإنه يحتج فيه: بأن في الفعل (6) دلالة على إثبات المثبت، ونفى المنتفي بما طريق إثباته أو نفيه العقل. فلم يختلف فيه حكم النفي والإثبات.
وأما السمعيات فطريقها السمع، ولا مدخل للعقل في إثباته، فمن لم يثبت عنده منها