وبين ما لو قال: ما نهى عنه فانتهوا عنه وبين ما لو قال: ما نهى عنه فانتهوا عنه.
فيقال له: هذا غلط، لأن قوله: (ما آتاكم) لا يجوز أن يكون في معنى قوله: ما أتى به فخذوه، بقصر الألف، لأن قوله: (ما آتاكم) بمعنى ما أعطاكم، وذلك يقتضي خطابنا به، وإرادته منا، وما فعله في نفسه فغير جائز أن يقال: إنه قد أتانا في نفسه أفعالا لا يريدها منا.
وأما قوله: وما نهاكم عنه، فإن النهي لا يكون إلا خطابا لنا، وذلك في مضمون اللفظ، فلا فرق بين قوله (وما نهاكم عنه) وبين قوله لو قال: ما نهانا عنه، يبين لكم ذلك أنه إذا قيل: أتى فلان كذا: أنه لا يتعدى إلى غيره، وإنما يكون فعلا فعله في نفسه، وإذا قيل: آتي كذا فلا بد من أن يتعدى إلى غيره، ينبغي إعطاء، فيقتضي معطيا، فاقتضت الآية فيما وصفنا خطاب الغير به، وأما فعل يفعله في نفسه فلا يجوز إطلاق ذلك فيه.
فإن قيل: لما خلع النبي عليه السلام نعله في الصلاة خلع القوم نعالهم، فدل: على أنهم كانوا معتقدين للوجوب في أفعال النبي عليه السلام.
قيل له: هذه دعوى غير مقرونة بدلالة، من أين لكم أنهم كانوا يعتقدون فيه الوجوب؟ دون أن يكونوا فعلوه على وجه الندب؟ وهذا الخبر: يدل على أنه لم يكن يجوز اعتقاد الوجوب في أفعال النبي عليه السلام، وذلك لأن النبي عليه السلام لما سلم قال لهم:
(لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا. فقال: إن جبريل أخبرني أن في نعلي قذرا) (1) فلو كان جائزا لهم اعتقاد الوجوب فيه - لما كان أنكر عليهم خلعها في الصلاة.
فإن قيل: لما روى: أن النبي عليه السلام (صلى في شهر رمضان ليلة، أو ليلتين، ثم لم يخرج حتى اجتمعوا بعد ذلك، فلما أصبح قال لهم: خشيت أن تكتب عليكم)، (2) فدل على: أن مداومته على فعل الشئ موجب للتأسي به فيه، لولاه لم يكن لقوله: خشيت أن تكتب عليكم معنى.
قيل له: هذا من أدل الدلائل على نفي الوجوب من وجهين.