(فليحذر الذين يخالفون عن أمره) (1) وجب أن يكون ضمير هذه الكناية اسم الله تعالى، وإذا صح رجوعه إلى الله تعالى لم يصح رجوعه إلى الرسول عليه السلام، لأن فيها ضمير الواحد لا أكثر منه، فكان تقدير الآية، فليحذر الذين يخالفون عن أمر الله، فيما أمركم به من تعظيم الرسول لقوله تعالى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا). (2) قيل في التفسير: أي لا تدعوه كما يدعوا بعضكم بعضا، بأن يقول قائل منكم:
يا محمد، بل يدعوه بأنبه (3) أسمائه وأشرفها، فيقول: يا نبي الله، ويا رسول الله.
فإن قيل: لا يمتنع رجوع ضمير الكنابة إليه، كقوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) (4) فرد الضمير إلى التجارة، وقد توسطها ذكر اللهو.
قيل له: ليس هذا كما ظننته، لأن الأصل رجوع الكناية إلى ما يليها، ولا يرجع إلى ما تقدم إلا بدلالة.
وأيضا: فإن قوله تعالى: (انفضوا إليها) قد عاد إليهما جميعا في المعنى، لأنه خبر لهما جميعا، ولولا ذلك لحصل قوله: (أو لهوا) منفردا عن خبره، فيبطل (5) فائدته، فإن كان قوله: أو لهوا، مفتقرا إلى خبر، ولا خبر له غير ما في الآية علمنا أن قوله: انفضوا إليها خبر لهما جميعا، وإنما خص التجارة بالكناية، لأن في العادة: أن (6) تفرق الناس إليها أكثر منه إلى غيره.
وجواب آخر: وهو أن هذه الآية قد اقتضت أن لا يكون ظاهر فعله موجبا علينا فعل مثله، وذلك لأنه حذر مخالفة أمره، ومتى لم يعلم على أي وجه فعله هو في نفسه من إيجاب، أو ندب، أو إباحة، ثم فعلناه على غير الوجه الذي فعله وأراده منا (7) فإن ذلك إلى مخالفته أقرب منه إلى المتابعة، وليس ترك المخالفة أن يفعل مثل فعله، في صورته، دون أن يكون واقعا على إرادته منه، لأنه لو نهاه عن فعله كان مخالفا لأمره، وإن فعل مثل ما فعل.