وأيضا: لو سلمنا لهم أن لفظ الأمر يتناول الفعل، لما صح أن يكون الفعل مرادا بالآية عندنا، وإن رجع الضمير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الجميع متفقون: أن الأمر الذي هو القول مراد، وإذا صح أن ذلك مراد امتنع دخول الفعل فيه، لأن اللفظ الواحد لا يجوز عندنا أن يتناول معنيين مختلفين، على ما بينا فيما سلف.
وأيضا: فلو سلمنا لهم جميع ما ادعوه في الآية: من أن المراد بالأمر هاهنا: طريقته، وشأنه، وأن الضمير راجع إلى النبي عليه السلام، لما صح الاحتجاج بعمومه في إيجابه، لأنه لا يصح اعتقاد العموم في لزوم سائر أفعاله لنا، وما لا يصح اعتقاد العموم فيه لم يجز اعتبار العموم فيه على ما بينا في أول الكتاب، فيصير حينئذ تقديره: فليحذر الذين يخالفون عن بعض أفعاله، فيحتاج ذلك البعض إلى دلالة في إثبات حكمه، ولزوم فعله، لأنه يصير مجملا، مفتقرا إلى البيان.
فإن قيل: قوله تعالى: (فاتبعوه) يقتضي وجوب فعله علينا.
قيل له: قد بينا أن هذه الدلائل تدل: على أن فعله ليس يقتضي وجوبه علينا، لتعذر اتباعه فيه، عند فقدنا العلم بالوجه الذي أوقع عليه الفعل، لأن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لابد من أن يكون طاعة، ومتى فعلناه على جهة الوجوب ونحن لا نأمن أن يكون هو قد فعله على غير هذا الوجه، فليس ذلك بطاعة، فلا نكون متبعين له.
فإن قيل: قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (1) وهذا يدل على وجوب التأسي به، لأنه قال: (لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) (2) ومعناه يخاف الله.
قيل له: هذا يدل على نفي الوجوب، لأنه قال: لكم أن تتأسوا به، وهذا ندب وليس بإيجاب، وغير جائز حمله على الوجوب إلا بدلالة، لأن قول القائل: كان (3) يفعل كذا لا يقتضي الوجوب، وإنما كان يدل على الوجوب، لو قال: عليك به، أن تفعل كذا.
فإن قيل: يجوز أن يكون معناه: عليكم. كما قال تعالى: (وإن أسأتم فلها) (4) وقوله تعالى: (ولهم اللعنة) (5) معناه عليهم.