أحدهما: أن كلامنا في ظاهر فعل النبي عليه السلام هل يقتضي الوجوب أم لا؟ ولم نتكلم في المداومة، وقد صلى النبي عليه السلام بهم ليلتين، وأخبر مع ذلك: أنها لم تجب بفعله، فلو كان فعله يقتضي الوجوب لكان قد وجب بأول ليلة.
والثاني: قوله: خشيت أن تكتب عليكم لو داومت، فأخبر: أنها كانت تكتب عليهم من جهة الفعل، ولو كانت مداومته على الفعل تقتضي الوجوب لقال: لو داومت عليها لوجبت بالمداومة، وكان لا يحتاج أن تكتب عليهم بغيرها.
وقوله: (خشيت إن تكتب عليكم) يجوز أن يكون قد علم في مثله: أنه إذا داوم عليه كتبه الله علينا، وأنه إذا لم يداوم لم تكتب، فكان لزومه للفروض موقوفا على اختياره، كما كان لزوم الخمسين صلاة أو الخمس في الليلة التي أسرى به فيها موقوفا على اختياره.
ومما يدل على أن فعله ليس على الوجوب: أن أفعاله عليه السلام يعتورها معنيان:
الأخذ، والترك. فلما كان الترك غير واجب وهو أحد قسمي الفعل، كان الأخذ مثله.
والعلة الجامعة بينهما: أنه ليس في ظاهر الفعل دلالة على حكمه في نفسه، كما أنه ليس في ظاهر الترك دلالة على حكمه في نفسه: من وجوب، أو ندب، أو إباحة. فوجب أن لا يتعلق وجوب الفعل علينا بوجوده (منه لوجود المعنيين)) (1) فإن قيل: قد اتفقنا على أن فعله إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب، وكذلك فعله في القضاء بين متنازعين، والفصل بين خصمين بالقضاء لأحدهما على الآخر، فوجب أن يكون سائر أفعاله بمثابتها.
قيل له: لم يجمع بينهما فعله، فهو سؤال ساقط.
وأيضا: فإنا لا نقول: إن ورود فعله مورد البيان يقتضي الإيجاب على هذا الإطلاق، وإنما نقول: إن ورود فعله مورد البيان يقتضي الإيجاب إذا كان بيانا للفظ يقتضي الإيجاب، وإن ورد بيانا لما لا يقتضي الإيجاب فليس على الوجوب.
وأما القضاء على أحد الخصمين على الآخر ونحوه - فإنما كان على الوجوب لأن الدلالة قد قامت على أن فعل ذلك على جهة الوجوب، فلزمنا الاقتداء فيه.
وكذلك نقول في جميع أفعال النبي عليه السلام: إن ما علمنا وجوبه عليه منها فواجب