ومنهاجا) (1) وهذا يوجب أن تكون شريعة لكل واحد من الأنبياء غير شريعة الآخرين.
الجواب: أما ما ذكره من استدلال إبراهيم عليه السلام على التوحيد، وأن قوله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (2) راجع إليه ومقصور عليه دون غيره، فإنه غير موجب لما ذكر، من قبل أن اسم الهدى يتناول ما أبان الله تعالى من الدلائل على توحيده، وعدله، وسائر صفاته، ويتناول أيضا ما أنزل على أنبيائه من أحكام شرائعه، قال الله تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين أسلموا) (3) فسمى ما في التوراة من أحكام الشرع هدى، وقال تعالى: (ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) (4) والقرآن يشتمل على: موجبات أحكام العقول التي لا يجوز الاختلاف فيها، وعلى الشرائع التي طريق معرفة إدراكها السمع، ثم سمى الجميع هدى، فدل أن اسم الهدى لا يختص بما في العقل إيجابه، (5) دون ما يدل السمع على وجوبه، وإذا كان ذلك كذلك، اقتضى عموم قوله تعالى: (فبهداهم اقتده) (6) الاقتداء بهم في جميع ما سمى هدى، ولا يجوز لأحد الاقتصار به على الاستدلال على التوحيد دون أحكام الشرائع، لأنه تخصيص بلا دلالة.
وأيضا: فإن قوله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (7) كلام قائم بنفسه يصح ابتداء الخطاب به، وكل كلام هذا حكمه فهو محمول على ما يقتضيه ظاهر لفظه، ولا يجوز تضمينه لغيره إلا بدلالة، فوجب من أجل ذلك حمله على عمومه على حسب ما اقتضاه حكم لفظه.
وأما قوله: إنه قد ذكر آباءهم وذرياتهم وإخوانهم، وأنه لم يكونوا كلهم أنبياء ذوي شرائع، وقد أمر مع ذلك بالاقتداء بهم، فدل أن المراد الاستدلال على التوحيد، فليس بموجب لما ذكره، من قبل أنه أوجب بالآية الاقتداء بالأنبياء المذكورين فيها، ثم عقبه بذكر من اقتدى بهم من آبائهم، وإخوانهم، وذرياتهم، واتبع سنتهم، فأمر بالاقتداء بهم أيضا،