وليس يمتنع هذا، وإن لم يكونوا على منهاج الأنبياء وطريقتهم، واتباع شرائعهم، كما قال تعالى: (واتبع سبيل من أناب إلي) (1) وقال تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين) (2) جملة، لأنهم لا يكونون مؤمنين إلا وهم متبعون للأنبياء عليهم السلام، ألا ترى إلى قوله تعالى: (واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم). (3) وأيضا: فإن ظاهر اللفظ: يقتضي الاقتداء بالجميع، فمن كان منهم له شريعة فالاقتداء به فيها واجب، ومن لم يكن له منهم شريعة مخصوص من اللفظ، إن كان المراد الأنبياء خاصة.
وأما ما ذكره: من اختلاف شرائعهم وأنه يستحيل الاقتداء بهم فيها على اختلافها، فلا معنى له، لأن في شريعة النبي عليه السلام: الناسخ والمنسوخ، كلك شرائع الأنبياء المتقدمين إنما يلزمنا منها، وتصير شريعة لنبينا ما استقر وثبت حكمه إلى مبعثه عليه السلام، فجعل شريعة له دون ما نسخ منها، و (4) علمنا بالناسخ منها من المنسوخ على التفصيل لا يمنع صحة الاقتداء بهم فيها، لأنا نقول: إنما يلزمنا منها ما أخبر الله ورسوله انه كان شريعة لهم، ثم لم يخبر بنسخة، فأما عدا ذلك فليس علينا تتبعه، لأنها لا تصل إلى حقيقته من غير جهة الرسول عليه السلام.
وأما قوله: لو كنا متعبدين بذلك، لكان علينا طلبه وتتبعه، فليس بموجب ما ذكر، لأن ما كان من شريعتهم إذا صار شريعة لنا فقد اكتفينا بوجوده في القرآن والسنة الثابتة عن النبي عليه السلام، عن طلبه من جهة أخرى.
ونقول (5): إن كل ما وجد في القرآن أو السنة أنه كان شريعة لنبينا عليه السلام على ما بينا ولا يحتاج بعد ذلك إلى طلبها من غير هذه الجهة، لأنا لا نصل إليه من طريق يوثق بها، وما كان هذا حكمه فقد سقط عنا تكليفه، فإن اتفق أن يكون في شريعة من قبلنا شئ قد أراد الله تعالى أن يتعبدنا به - فإنه إن لم يذكر أنه قد كان شريعة لهم، فإنه يبتدئ بإيجابه شريعة للنبي، وإن لم يكن فيه حكاية كونه شريعة لمن قبلنا - فيكفي بهذا عن طلبه وتتبعه من شرائع من قبلنا.