مأمورون فيها بترك الانصراف عنه، إلى شريعة النبي عليه السلام، فثبت أن ما كان في التوراة من حكم الرجم، صار شريعة لنبينا صل الله عليه وسلم، وخرج من أن يكون شريعة لموسى عليه السلام في تلك الحال، بل صارت تلك الشريعة منسوخة بشرائع الرسول عليه السلام، إذ كان الرسول مبعوثا إلى كافة الناس.
ووجه آخر من دلالة هذه الآية على ما ذكرنا: وهو قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) (1) إلى قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (2) - والظلم هو وضع الشئ في غير موضعه - فلو لا أن هذا الحكم الذي كان في التوراة قد صار من شريعة الرسول عليه السلام بعينه، وإعلامه أن التوراة كذلك، لما كان اليهود ظالمين بالإعراض عن ذلك الحكم به، على أنه حكم التوراة، لأنهم كانوا مأمورين في تلك الحال بالانتقال عنه إلى حكم شريعة الرسول عليه السلام، فدل: على أنهم إنما استحقوا سمة الظلم والوصف به من حيث لم يعتقدوا شريعة النبي عليه السلام.
ثم قال تعالى في الآية الأخرى: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (3) فلا يخلو قوله ذلك من أحد معنيين:
إما أن يكون قد استحقوا الذم - لأنهم لم يحكموا بما في الإنجيل بعد بعثة النبي عليه السلام، ودعائه إياهم إلى دينه، على أنه من حكم الإنجيل شريعة لعيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، دون أن تكون شريعة لنبينا عليه السلام، أو على أنه من شريعة النبي عليه (السلام) (4) دون كونه من شريعة عيسى عليه السلام.
وغير جائز أن يقال: إنهم استحقوا الذم وسمة الفسق، لأنهم أمروا في هذه الحال بالحكم بما في الإنجيل على أنه شريعة لعيسى عليه السلام، لأن هذا يوجب أن لا يكونوا مأمورين باتباع النبي عليه السلام، في شرائعه، بل يقتضي: أن يكونوا مأمورين بالبقاء على شريعة عيسى عليه السلام، وبلوغهم دعوته بالحكم بما في الإنجيل على أنه شريعة لنبينا عليه السلام، ما لم يأمرهم بخلافها ونسخها، ومن أجل ذلك وصفهم بالفسق، لأنهم زالوا عن حد ما يجب عليهم المصير إليه، من اتباعه، والحكم بما في الإنجيل، على أنه من شريعته صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك أوضح دليل على صحة ما قلنا، والله الموفق للصواب.