أو يقول: إن تلك الشرائع لم تلزم الناس كافة على التأبيد، وإنما لزمتنا لأن الله تعالى جعل ما لم ينسخ من تلك الشرائع شريعة لنبينا عليه السلام، وإنما يلزمنا اتباعها والعمل بها من حيث صارت شريعة النبي عليه السلام، لا من حيث كانت شريعة للأنبياء الماضين عليهم السلام.
أو يقول قائل: ليس شئ من شرائع الأنبياء المتقدمين ثابتة، لا من جهة بقاء هذا، إذا لم يرد نسخها على ما قال من حكينا قوله بدء ولا من جهة: أنها صارت شريعة لنبينا وأنه لا يلزمنا منها شئ، وإن حكى الله تعالى في كتابه: أنه شرعها لمن كان قبلنا حتى يأمرنا الله تعالى بها أو النبي عليه السلام شريعة لنا.
فأما القول الأول: فإنه بعيد، من قبل أن هذا لو كان هكذا، لوجب أن يكون أولئك مبعوثين إلينا، وأن تكون تلك الأوامر أوامر لنا، وقد علمنا: أن ذلك ليس كذلك، لأن النبي عليه السلام قال (خصصت بخمس لم يعطهن أحد قبلي، منها: أني بعثت إلى الأحمر والأسود، وكل نبي فإنما كان يبعث إلى قومه) (1) ولأن ذلك لو كان كذلك لوجب علينا طلب شرائع الأنبياء عليهم السلام ونتبعها، ولدعا النبي عليه السلام الناس إليها دعاء عاما، كدعائه عليه السلام إلى اتباع شريعته، ولو كان كذلك لنقلت الأمة ذلك نقلا عاما، ولوجب على النبي عليه السلام تعليمها الصحابة وتبليغها إياهم، ولو كان كذلك لنقلوها