الثاني - ان التخيير هل هو على سبيل الاستمرار، بمعنى انه هل يجوز للحاكم ان يحكم على طبق امارة في واقعة، ثم يحكم على طبق امارة أخرى في واقعة أخرى مثلها أم لا؟ وكذا هل يجوز للمفتي ان يختار في عمل نفسه امارة ويعمل على طبقها، ثم يختار أخرى ويعمل عليها، وكذا يفتى للمقلد على هذا النحو من الاختيار أم لا؟ الأقوى هو الأول، لاطلاق أدلة التخيير، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد في بعض الاخبار: من أن الاخذ بأحد الخبرين انما هو من باب التسليم. ومن المعلوم أن مصلحة ذلك لا تختص بابتداء الحال. وان أبيت عن ذلك وقلت إن الاخبار لم يكن لها تعرض الا لبيان وظيفة المتحير في أول الامر، يكفي في اثبات استمرار التخيير استصحاب ذلك، الحاكم على استصحاب حكم المختار، والقول باختلاف الموضوع مدفوع بما مر في محله من كفاية الوحدة العرفية.
الثالث انك عرفت أن الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين انما هو من باب التعبد بالأخبار الواردة في الباب، وان مقتضى القاعدة - بناءا على اعتبار الاخبار من باب الطريقية - هو التوقف. وحينئذ فاللازم الاقتصار في ذلك
____________________
(145) لكن يمكن أن يقال: إن احكام المتعارضين - من التخيير أو الترجيح أو التوقف والاحتياط - مختصة بمن بلغه المتعارضان، وفهم التعارض بينهما، ولذا نقول أحد المجتهدين مخير في العمل بأيهما شاء مثلا، والآخر بالجمع، والآخر بأحدهما ما لم يعثر على الآخر، فالمقلد ليس موضوعا لتلك الأحكام، بل هو مكلف بالواقع واقعا، وبما أفتى به المجتهد ظاهرا. وأما المجتهد، فإذا اختار أحد الخبرين يرى مضمونه حكم الله على جميع الناس، فيفتي على طبقه، كما يعمل به.