على أصالة البراءة: ما لفظه (إن دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهي السابق بالنسبة إلى الزمان اللاحق، قوله (عليه السلام) لا تنقض اليقين بالشك يدل على أن النهى الوارد لابد من ابقائه، وفرض عمومه، وفرض الشئ في الزمان اللاحق مما ورد فيه النهى أيضا، فمجموع الرواية المذكورة والمراد بها كل شئ مطلق. ودليل الاستصحاب بمنزلة أن يقول كل شئ مطلق حتى يرد فيه النهى، وكل نهى ورد في شئ فلا بد من تعميمه لجميع أزمنة احتماله، فتكون الرخصة في الشئ واطلاقه مغياة بورود النهى المحكوم عليه بالدوام وعموم الأزمان، فكأن مفاد الاستصحاب نفى ما يقتضيه الأصل الآخر في مورد الشك لولا النهى.
وهذا معنى الحكومة، كما سيجئ في باب التعارض. انتهى كلامه رفع مقامه) أقول: لا اشكال في أن التعميم المستفاد من قضية لا تنقض إنما هو الحكم المرتب على الشك، وليست حاكية عن عموم التحريم بحسب الواقع وحينئذ، فما الفرق بين ما يدل على أن الحكم الشرعي في حال الشك من سنخ ما كان موجودا في السابق، وهو التحريم مثلا، أو هو الترخيص. وأي وجه لتقديم الأول. على الثاني.
وكيف كان فالذي يمكن ان يقال هو أن مدلول أدلة الاستصحاب هو الحكم بابقاء اليقين والغاء الشك، لا جعل الحكم المطابق للسابق، وان كانت بدلالة الاقتضاء يرجع إلى ذلك، حيث أن اليقين لا يقبل لان يحكم عليه بالابقاء.
وحينئذ نقول: إن جعلنا المراد من الشك - الذي هو موضوع الأصول - المعنى الظاهر منه، أعني حالة الترديد في النفس، فقوله (عليه السلام) لا تنقض اليقين بالشك يكون حاكما عليها، لأنه يدل على وجوب معاملة اليقين مع هذا الشك، فموضوع أصالة البراءة وسائر الأصول التي في حكمها منتف شرعا، وإن كان باقيا عقلا وان جعلنا المراد منه عدم الطريق - كما أسلفنا سابقا -، والمراد من اليقين الذي هو غاية للأصول ومعتبر في الاستصحاب ابتداءا، وغاية الطريق المعتبر، فوجه تقديم الاستصحاب على أصالة البراءة وما شابهها وروده عليها، لان