فان قلت: إن أردت من الطريق الذي يرتفع به موضوع الأصول ما يحكى عن الواقع الأولى، فلا اشكال في عدم كون الاستصحاب كذلك، وان أردت منه مطلق الاحكام الظاهرية التي جعلت بملاحظة الاحكام الواقعية، من دون ملاحظة أنفسها، فلا اشكال في اشتراك الاحكام المجعولة في ساير الأصول معه في ذلك.
وحينئذ، فأي واحد من الاستصحاب والأصل الآخر يقدم برفع موضوع صاحبه، إذ كما يصدق بعد مجيئ الحكم بالاستصحاب أنه واجد للطريق إلى الحرمة مثلا بالمعنى الذي ذكرنا، يصدق بعد مجيئ الترخيص بأدلة البراءة أنه واجد للطريق إلى الترخيص كذلك.
قلت: نعم كون المكلف ذا طريق إلى الترخيص بالمعنى الذي ذكرنا إنما هو بعد جعل الترخيص الظاهري الذي هو مفاد أدلة البراءة، وأما كونه ذا طريق إلى الحرمة المحققة - في الزمن السابق بالمدلول الأولى من أدلة الاستصحاب، لأنها حاكمة ببقا الطريق في حال الشك أيضا - فواجدية المكلف الطريق إلى الحرمة السابقة بمقتضى أدلة الاستصحاب مقدمة على واجديته للطريق إلى الترخيص بمقتضى دليل البراءة، إذ هي في مرتبة الترخيص الملزوم لانجعال الطريق.
وبعبارة أخرى - بعد تحقق موضوع الاستصحاب وأصالة البراءة أولا. (132) واما دليل البراءة فلا يتصدى لذلك أولا، بل هو لازم للحكم المستفاد منه، فموضوع الاستصحاب باق في رتبة الحكم المستفاد من دليل
____________________
(132) لا يخفى أن تصدى دليل الاستصحاب لرفع دليل أصالة البراءة ليس الا بالامر بالبناء على بقاء نفس الواقع تعبدا، كما كان، وغايته استفادة كونه ذا طريق في حال الشك تعبدا. وهذا ليس إلا ما افاده الشيخ (قدس سره) من الحكومة.