وبعبارة أخرى: في القسم الأول لا يقع التعارض بين الكلامين في ذهن العرف، حتى يحتاج إلى الترجيح بالاقوائية. ولذا قلنا فيه بأنه يكفي انعقاد أول ظهور للكلام، بخلاف القسم الثاني. ويحتمل أن يكون هذا أيضا مراد شيخنا المرتضى، لكنه قد قال في مبحث التعادل والترجيح في ذيل بيان الضابط للحكومة ما ينافي ما ذكرنا.
هذا، وأما وجه تقديم الأدلة والامارات على الاستصحاب وسائر الأصول العملية، فكونه من باب الحكومة يبتنى على أن يكون دليل حجيتها متعرضا لحكم الشك، بمعنى أن قول الشارع: - صدق العادل، أو اعمل بالبينة - يرجع إلى أن هذا الشك ليس شكا عندي، وما جعلت له حكم الشك. والانصاف أنه لم يدل دليل الحجية الا على جعل مدلول الخبر واقعا، وايجاب معاملة الواقع معه. وأما أن حكم الشك لا يترتب على الشك الموجود، فليس بمدلول لدليل الحجية. ونعم لازم حجية الخبر المنافى للاستصحاب أو سائر الأصول عدم ترتب حكم الشك عليه، كما أن لازم ترتب حكم الشك عدم حجية الامارة الدالة على الخلاف. وهذا معنى التعارض.
والأقوى وفاقا لسيدنا الأستاذ طاب ثراه ورود الأدلة والامارات على الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية. (129)
____________________
(129) ما افاده (قدس سره) - من أن اليقين المأخوذ في الاستصحاب وسائر الأصول إنما اخذ طريقا، والشك المأخوذ فيها معناه عدم الطريق - وإن كان حقا، ويدل عليه مع ما ذكر قوله عليه السلام في ذيل ما رواه الشيخ (قدس سره): (أو امرأة تحتك، وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا