إذا عرفت هذا فنقول: إن كان مال تحت يد أحد يعامله معاملة الملكية، فادعى الغير أنه ماله، فهذا الغير مدع عرفا، لأنه هو الذي أنشأ الخصومة. وأما لو أقر ذو اليد باستناد يده إلى انتقال العين إليه من الخصم، فيصير مصب الدعوى هو الانتقال، ويصير ذو اليد بذلك مدعيا، لأنه لا نزاع بينهما إلا دعوى ذي اليد الانتقال، وهذه خصومة أنشأها بكلامه، وليس طريق فصل الخصومة إلا إقامة البينة، منه، أو استخلاف من ينكر الانتقال. نعم لو لم تكن في البين خصومة، وادعى ذو اليد ملكية ما فيه يده بسبب خاص، يقبل منه بواسطة اليد.
تنبيه إعلم أن ما قلناه - من أن طريق رفع الخصومة في باب القضاء منحصر بالبينة والايمان - انما هو فيما إذا كان المنكر في مقابل المدعى. وأما إذا لم يكن في مقابلة منكر، بان يقول الخصم لا أدرى أصدق ما تقول، أم كذب، كالدعوى على المورث، مع اظهار الورثة الجهل بذلك، وتصديق المدعى لهم، فان كانت البينة للمدعى على ما يقول، أخذ بها، والا فلا مانع من الاخذ بسائر القواعد الموجودة: من قبيل الاستصحاب أو اليد. ويتفرع على ذلك أن العين لو كانت في يد المدعى وادعى انتقالها من الميت في حال حياته إليه، ولا ينكر ذلك الورثة جزما، يحكم بكونها ملكا لذي اليد، إذ لا منكر في قباله، حتى يقال إن طريق توصل المدعى إلى المال منحصر في إقامة البينة، والأدلة الدالة على ذلك موردها وجود المنكر في قباله، وفى غيره يعمل على القواعد.
ومما ذكرنا يعلم وجه محاجة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أبي بكر المروية في الاحتجاج، فان دعوى سيدة النساء (عليها السلام) بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاها فدكا في حياته، لم ينكرها أحد على سبيل الجزم، حتى يلزمها (عليها السلام) إقامة البينة، فانتزاع فدك منها - مع كون يدها ثابتة عليه - ليس له وجه الا العناد.