والدليل على أن الإرادة قد تحقق لمصلحة في نفسها هو الوجدان، لأنا نرى إمكان ان يقصد الانسان البقاء في المكان الخاص عشرة أيام، بملاحظة أن صحة الصوم والصلاة التامة تتوقف على القصد المذكور، مع العلم بعدم كون هذا الأثر مترتبا على نفس البقاء واقعا.
ونظير ذلك غير عزيز، فليتدبر في المقام.
(فان قلت) إن مجرد كون الفعل قبيحا بحكم العقل لا يوجب استحقاق العقوبة من المولى، لان العقوبة تابعة للتكليف المولوي، ولذا قيل إن التكاليف الشرعية ألطاف في التكاليف العقلية. ومعنى هذا الكلام هو ان الأوامر والنواهي الصادرة من الله تعالى توجب زيادة بعث للعباد نحو الفعل والترك، لكونها موجبة للمثوبة والعقوبة، ولو كان حكم العقل بالحسن والقبح كافيا فيها، لما كانت التكاليف الإلهية ألطافا. ولا يمكن أن يقال باستكشاف حكم الشرع هنا بقاعدة الملازمة، لأنا نقول - مضافا إلى منع تلك القاعدة بناءا على عدم كفاية الجهات الموجودة في الفعل للتكليف، إذ قد يكون الفعل حسنا عقلا، ولا يأمر به الشارع، أو يكون قبيحا، ولا ينهى عنه، لعدم المصلحة في النهي عنه - ان الملازمة المذكورة انما تنفع فيما يكون قابلا للتكليف المولوي، وليس المقام كذلك، لان حال النهي المتعلق بإرادة المعصية كحال النهي المتعلق بها.
(قلت) فرق بين العناوين القبيحة، فان منها ما لا يكون لها ارتباط خاص بالمولى - من حيث إنه مولى - كالظلم على الغير مثلا (ومنها) ماله ربط خاص به، كالظلم على نفس المولى والخيانة بالنسبة إليه، ففي الأول لو لم يتعلق به النهي المولوي، فلا وجه لعقاب المولى، بل هو كأحد العقلاء يجوز له ملامة الفاعل من حيث إنه عاقل، وأما الثاني فيصح عقوبته من حيث هو مولى له. هذا محصل الكلام في المقام.