فكيف يحكم بعدم كون شرب المايع اختياريا له، فان خص العنوان الموجود اختيارا بما كان محطا للإرادة الأصلية للفاعل، فاللازم ان يحكم - في المثال الذي ذكرناه - بعدم كون شرب الخمر اختياريا، لعدم تعلق الإرادة الأصلية بعنوان الخمر، كما هو المفروض. ولا أظن أحدا يلتزم به، وإن اكتفى في كون العنوان اختياريا، بمجرد كونه معلوما وملتفتا إليه حين الايجاد، بحيث يصلح لان يكون رادعا له، فحكمه - بعدم كون الجامع فيما نحن فيه أعني شرب المايع اختياريا - لا وجه له.
وكيف كان فالحكم - بعدم اختيارية العناوين المنطبقة على الفعل المتجري به بأسرها، حتى الجامع لما هو واقع وما هو مقصود - مما لا أرى له وجها، فالأولى ما قلناه في المقام.
ومحصله ان العناوين المتحققة مع الفعل المتجري به بين ما لا يكون اختياريا، وبين ما لا شبهة في عدم تحريمه، وبين ما لا يكون قابلا لورود النهي المولوي عليه. هذا على تقدير جعل النزاع في الحرمة الشرعية.
واما لو كان مجرى النزاع كون الفعل المتجري به قبيحا أم لا، فالذي يقوى في النظر عدم كونه قبيحا أصلا، فانا إذا راجعنا وجداننا، لم نر شرب المايع المقطوع خمريته الا على ما كان عليه واقعا قبل طرو عنوان القطع المذكور عليه. والذي أوقع مدعي قبح الفعل في الشبهة هو كون الفعل المذكور - في بعض الأحيان - متحدا مع بعض العناوين القبيحة، كهتك حرمة المولى، والاستخفاف بأمره تعالى شانه، وأمثال ذلك مما لا شبهة في قبحه، وأنت خبير بان اتحاد الفعل المتجري به مع تلك العناوين ليس دائميا، لأنا نفرض الكلام فيمن أقدم على مقطوع الحرمة، لا مستخفا بأمر المولى ولا جاحدا لمولويته، بل غلبت عليه شقوته، كاقدام فساق المسلمين على المعصية، ولا اشكال في أن نفس الفعل المتجري به