وحاصل مرامه على هذا أن صحة استصحاب عدم النسخ مبنية على القول بأن الفعل الذي كان حسنا في السابق، كان من جهة اقتضائه لذلك، حتى يرجع الشك في نسخه إلى الشك في وجود المانع. وأما إن قلنا بالوجوه والاعتبارات، فلا يجرى الاستصحاب، لاحتمال أن يكون للزمان دخل في حسن ذلك الفعل، فمقتضى بقاء الحسن غير محرز. هذا غاية توجيه كلامه.
وفيه (أولا) - أنه على هذا المبنى لا يصح استصحاب عدم نسخ حكم الشريعة اللاحقة أيضا، لو شك في ارتفاعه لعين ما ذكر، و (ثانيا) - أنا قلنا فيما مضى أنه لا فرق على القول بأخذ الاستصحاب من الاخبار - بين أن يكون الشك في المانع أو في المقتضى فراجع.
واما الثاني: أعني صورة كون الشك في بقاء الاحكام السابقة، من جهة الشك في نسخ أصل الشرع. فنقول: أنه لو فرض بقاء هذا الشك بعد التفحص الذي هو شرط للعمل بالاستصحاب، فجواز التمسك به لهذا الشاك يبتنى على أحد أمرين. إما أن يعلم أن هذا الحكم الاستصحابي حكم في كل من الشريعتين، وإما أن يعلم أن هذا الحكم ثابت في الشريعة اللاحقة، لأنه على الأول يعلم أنه هذا الحكم غير منسوخ، وعلى الثاني يعلم أن المجعول في حقه مثلا الابقاء على الحكم السابق، إما لكونه حكما واقعيا له، وإما لكونه حكما ظاهريا. (109)
____________________
(109) لا يخفى أنه على تقدير اختصاص حجية الاستصحاب بالشريعة اللاحقة، يعلم عدم حجية ذلك الاستصحاب إما لعدم ثبوته، وإما لانتقاضه على تقدير حجيته، فيما إذا كان المشكوك فيه نسخ أصل الشريعة. نعم لو كان المشكوك فيه نسخ بعض الأحكام فله وجه.