وثانيا: أن مستند حكم العقل بالبراءة - فيما يحكم بها - هو القطع بالمؤئن، وهو لا يكون إلا في مورد يحكم بأن العقاب قبيح، والقبيح ممتنع على الله - تعالى - فالعقاب ممتنع عليه، وتمام الموضوع لحكم العقل بالاحتياط هو احتمال العقاب وعدم المؤمن القطعي ولو كان الاحتمال ضعيفا، ولو كان التكليف مرددا بين كونه مما يعاقب عليه أو لا، لحكم العقل بلزوم الاحتياط.
وليعلم: أن ما يصحح العقوبة ويخرجها عن كونها بلا بيان هو بيان الأحكام، لابيان العقوبة عليها، فإذا بين المولى حكم الخمر بأنه محرم يكون العقاب على ارتكابه مع البيان، ولو احتمل العبد أن المولى لا يعاقبه عليه، فالشك في العقوبة لا يكون مؤمنا بعد بيان التكليف.
ألا ترى: أنه لو شك العبد في أن المحرم الكذائي هل هو موجب للعقوبة الشديدة أو الضعيفة، فارتكبه فصادف كونه مما يوجب العقوبة الشديدة، لم يكن له عذر، ويكون العقاب عليه مع البيان، لأن المولى ليس له إلا بيان الحكم لا العقوبة عليه.
إذا عرفت ذلك نقول: إن التكليف بالمركب - كما عرفت - عين التكليف بالأجزاء، فالأقل يكون متعلقا للأمر بعين تعلقه بالمركب، لكن أمره دائر بين كونه تكليفا نفسيا أصليا - أي كونه تمام المركب حتى يكون العبد معاقبا على تركه - أو كونه ضمنيا، ويكون المركب هو الأكثر، ولا يكون معاقبا على ترك الأقل، ففي مثله يحكم العقل بلزوم إتيانه، لأنه لو صادف كونه تمام المركب