المتحقق. صرحوا بذلك في مواضع من جملتها ما مضى، ومن جملتها قولهم: " معنى جواز التسلسل في الأمور الانتزاعية أنه ليس فيها تسلسل في الحقيقة " صرح بذلك مولانا ميرزا جان في حواشيه على رسالة إثبات الواجب للفاضل الدواني.
فإن قلت: إذا لم يكن للعدمات تحقق، فكيف يكون مضي قدر مخصوص من استمرار العدم الأزلي حادثا وجزء من العلة التامة لحادث.
قلت: هنا دقيقة لم يصدق بها إلا قلب أولي النهى، وهي: أن معنى " نفس الأمر " نفس الشيء، إذ الأمر هو الشيء، ومعنى كون الشيء في نفس الأمر: أنه ليس منوطا بفرض فارض أو اعتبار معتبر، مثلا: الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار متحققة في حد ذاتها سواء وجد فارض أو لم يوجد أصلا وسواء فرضها أو لم يفرضها قطعا، بخلاف زوجية الخمسة، فمعنى كون الشيء في نفس الأمر يرجع إلى معنى سلبي هو أنه ليس منوطا بفرض فارض واعتبار معتبر، فهذا المعنى السلبي أعم من المتحقق في نفس الأمر، فالعدم نفس الأمر طرف لنفسه لا لتحققه، والذي وجد نفس الأمر طرف لتحققه.
ومما مهدناه ظهر عليك وانكشف لديك أن الفلاسفة والمتكلمين خبطوا في بيان كيفية ربط الحادث بالقديم، لأن الفلاسفة بنوا ذلك الربط على التزام التسلسل من جانب المبدأ في الأمور المتعاقبة في الوجود، والمتكلمين بنوا ذلك الربط على أ نه يجوز في الفاعل القادر بالمعنى الأخص أن يكون مقتضاه وجود المعلول في وقت معين مع استجماعه جميع شرائط التأثير في الأول.
ويرد على الأول أبحاث:
أحدها: أنه عند التحقيق والنظر الدقيق يلزم التسلسل في الأمور المترتبة المجتمعة في الوجود، ولا يكفي التسلسل في الأمور المتعاقبة في الوجود، وذلك لأ نا نقول: الجزء الأخير من العلة التامة للمعلول الأول حادث وهكذا، ثم تلك الأجزاء الأخيرة من العلة التامة (1) إما وجودات أو عدمات أو ملفق منهما، وعلى